المشــــــــــــاهدات

الاثنين، أبريل 30، 2012

أبيـــــــات أعجبتني

قالت لطيف خيال زارها ومضى
               بالله صفْه ولا تنقص ولا تزدِ
فقال خلفته لو مات من ظمأ
           وقلتِ قف عن ورود الماء لم يردِ
قالت صدقتَ وفاء الحبّ شيمته
            يا برد ذاك الذي قالت على كبدي

الأصمعي يساجل أعرابياً

 قال الأصمعي : دعاني بعض العرب الكرام إلى قرى الطعام، فخرجت معه إلى البرية، فأتوا بباطيه باذنين وعليها السمن غارق، فجلسنا للأكل، وإذا بأعرابي ينسف الأرض نسفاً حتى جلس من غير نداء، فجعل يأكل والسمن يسيل على كُراعه، فقلت لأضحكنَّ الحاضرين عليه، فقلت:كأنك أثلة في أرض هشِّ
أتاها وابل من بعد رشِّ

فالتفت إليَّ بعين مبحلقة وقال لي: الكلام أنثى والجواب ذكر، وأنت:
كأنك بعرة في إست كبشٍ
مدلاة وذاك الكبش يمشي

فقلت له: أتعرف شيئاً من الشعر أو ترويه؟ فقال: كيف لا أقول الشعر وأنا أمه وأبوه؟ فقلت له: إن عندي قافية تحتاج إلى غطاء. فقال: هات ما عندك، فغطست في بحور الأشعار فما وجدت قافية أصعب من الواو المجزومة، فقلت:
قوم بنجد قد عهدناهم
سقاهم الله من النوِّ

فقلت: أتدري النو ماذا ؟ فقال :
نوّ تلألأ في دجى ليلة
حالكة مظلمة لو


فقلت: لو ماذا؟ فقال:
لو سار فيها فارس لانثنى
على بساط الأرض منطو
فقلت: منطو ماذا ؟ فقال:
منطوي الكشح هضيم الحشا
كالباز ينقضُّ من الجو

فقلت: الجو ماذا ؟ فقال:
جو السما والريح تعلو به
اشتم ريح الأرض فاعلوّ

فقلت: أعلوّ ماذا ؟ فقال:
فاعلوَّ لما عيل من صبره
فصار نحو القوم ينعوّ


فقلت: ينعو ماذا ؟ فقال:
ينعو رجالاً للفنا شرعت
كفيت ما لا قوا وما يلقوا

قال الأصمعي: فعلمت أنه لا شئ بعد الفناء ولكن أردت أن أثقل عليه، فقلت له، ويلقوا ماذا ؟ فقال:
إن كنت لا تفهم ما قلته
فأنت عندي رجلٌ بَوّ

فقلت له: البو ماذا؟ فقال:
البوُّ سلخٌ قد حشى جلده
بألف قرن تقوم أو

فقلت له: أو ماذا ؟ فقال:
أو ضرب الرأس بصوَّانةٍ
تقول من ضربتها قوّ

قال الأصمعي: فخشيت أن أقول له: قو ماذا؟ فيضربني ويكمل البيت، فقلت له: أنت ضيفي الليلة. فقال: لا يأبى الكرامة إلا لئيم. فقلت لزوجتي: أصنعي لنا دجاجة. ففعلت، فأتيته بها وجئته أنا وزوجتي وابناي وبنتاي، وقلت له: فرِّق يا بدوي.
فقال: الرأس للرأس، وأعطاني الرأس، وقال: الولدان جناحان، لهما الجناحان، والبنتان لهما الرجلان، والمرأة العجز، وأنا زائر لي الزور، وأكل الدجاجة ونحن ننظر، وبتنا نتحدث. فلما أصبحنا قلت لزوجتي: اصنعي لنا خمس دجاجات، ففعلت، وأتيته بالدجاج وقلت له: اقسم يا بدوي. فقال: تريد شفعاً أو وتراً؟! فقلت: إن الله وتر يحب الوتر، فقال: كأنك تريد بالفرد، قلت نعم، فقال: أنت وزوجك ودجاجة، وابناك ودجاجة، وابنتاك ودجاجة، وأنا ودجاجتين. فقلت لا أرضى بهذه القسمة، فقال: كأنك تريد شفعاً فقلت نعم، فقال: أنت وولداك ودجاجة، وزوجتك وابنتاها ودجاجة، وأنا وثلاث دجاجات، والله لا أحول عن هذه القسمة!! قال الأصمعي: فغلبني مرتين، مرة في الشعر ومرة في الدجاج ثم انصرف.

أبو العتاهية يجيز منذ طفولته

 يروى عن أبي العتاهية، الشاعر العباسي، الذي كان منذ حداثته محباً للشعر وإنشائه، فقد روي أنه كان يجوب الكوفة وعلى ظهره قفص فيه فخار يبيعه، فمر بفتيان يتقارضون الشعر ويتناشدونه، فوضع القفص وجاذبهم أطراف الحديث وقال لهم: أنشدكم شيئاً وتجيزونه (أي تكملونه) فإن فعلتم فلكم عشرة دراهم، وإن لم تفعلوا فعليكم مثلها. فسخروا منه ثم أجابوه. فقال: أجيزوا:
ساكني الأجداث أنتم
فلم يستطيعوا، فلما انتهى الوقت المحدد لهم ولم يجيزوه غرموا الدراهم، وجعل يسخر منهم، ثم أتم الشطر قائلاً:
ساكني الأجداث أنتم
                مثلنا بالأمس كنتم
ليت شعري ما صنعتم
               أربحتم أم خسرتم؟؟

الأوابـــــــــــــــــــد

مما حملت إلينا كتب التراث العربي فن الأوابد (جمع آبدة) وهي في اللغة تعني الأشياء البعيدة الغور، أو الغريبة أو النافرة الوحشية، ومنه قول النابغة:

نبئت زرعة والسفاهة كاسمها
يهدي إلى أوابد الأشعار

وفي المصطلح تعني أن يتساجل شاعران فيذكر أحدهما بيتاً يحمل سؤالاً أو عقدة، فيجيبه الآخر على
وزنه وقافيته ببيت فيه إجابة لسؤاله، أو رد لكلامه. وقال الزمخشري في أساس البلاغة: فلان مولع
بأوابد الكلام وبأوابد الشعر، وهي التي لا تُشاكل جودة، وجئتنا بآبدة ما نعرفها.

ومن تلك الأوابد ما جاء في ديوان امرئ القيس بن حُجر الشاعر الجاهلي من أن عبيد بن الأبرص
الأسدي لقيه فقال له: كيف معرفتك بالأوابد؟ فقال امرؤ القيس: ألق ما شئت تجدني كما أحببت. فقال عبيد:

ما حبَّة ميتة أحيت بموتتها
درداء ما أنبتت سِناً وأضراساً

فقال امرؤ القيس:

تلك الشعيرة تسقى في سنابلها
فأخرجت بعد طول المكث أكداسا

قال عبيد:

ما السود والبيض والأسماء واحدة
لا يستطيع لهن الناس تمساسا ؟

فقال امرؤ القيس:

تلك السحاب إذا الرحمن أرسلها
روي بها من محول الأرض أيباسا

قال عبيد:

ما مُرتجات على هول مراكبها
يقطعن طول المدى سيرا وأمراسا ؟

فقال امرؤ القيس:

تلك النجوم إذا حانت مطالعها
شبَّهتها في سواد الليل أقباسا

قال عبيد:

ما القاطعات لأرض لا أنيس بها
تأتي سراعاً وما يرجعن أنكاسا

فقال امرؤ القيس:

تلك الرياح إذا هبت عواصفها
كفى بأذيالها للترب كنَّاسا

فقال عبيد:

ما الفاجعات جهاراً في علانية
أشد من فيلق مملؤة باسا

فقال امرؤ القيس:

تلك المنايا فما يبقين من أحد
يكفتن حمقى وما يبقين أكياسا

قال عبيد:

ما السابقات سراع الطير في مهل
لا تستكين ولو ألجمتها فاسا

فقال امرؤ القيس:

تلك الجياد عليها القوم قد سبحوا
كانوا لهن غداة الروع أحلاسا

قال عبيد:

ما القاطعات لأرض الجو في طلق
قبل الصباح وما يسرين قرطاسا

فقال امرؤ القيس:

تلك الأماني يتركن الفتى ملكاً
دون السماء ولم ترفع به راسا

قال عبيد:

ما الحاكمون بلا سمع ولا بصر
ولا لسان فصيح يعجب الناس

فقال امرؤ القيس:

تلك الموازين والرحمن أنزلها
رب البرية بين الناس مقياسا

" السينيات ".. أجمل المعارضات الشعرية

السينيات".. أجمل المعارضات الشعرية للبحتري وشوقي وبلخير 
المعارضات الشعرية هي أحد الفنون الأدبية في الأدب العربي، وهي نوع من المباريات الشعرية التي تجري بين الشعراء، وهي تختلف عن التقليد فهي نوع من إثبات الذات والقدرة على الإبداع في ظل قيود معينة، وتبدأ بأن ينظم شاعر ما قصيدة، فيأتي شاعر آخر، إما للإبداع داخل هذا القالب لأنه أعجبه وإما لنقض معاني هذه القصيدة وأفكارها لأنه يتبنى وجهة نظر أخرى مضادة، لكنه إمعانًا في التحدي يلزم نفسه أن يبدع في نفس القالب الشعري الذي التزمه الشاعر الأول، فيلتزم نفس الوزن والبحر والقافية، وقد ازدهر هذا الفن في عصرنا الحديث حيث يعد أمير الشعراء أحمد شوقي من أبرز رواده.

وفي كتابه (تاريخ المعارضات في الشعر العربي) يقول الدكتور محمد محمود قاسم نوفل رئيس قسم اللغة العربية بجامعة النجاح في نابلس أن المعارضات الشعرية تعود إلى أيام الإسلام الأولى، وأن هناك قصائد نالت إعجاب الشعراء كثيراً فأكثروا من معارضتها كقصائد البوصيري وكعب بن زهير، ويعد هذا الفن إحياء للفن العربي ولتراث الشعراء السابقين في كل زمان ومكان، حيث تنشط فيه الحركة الأدبية الشعرية ويربط ماضي الشعر بحاضره.

ولم تقتصر المعارضات على الشعر فقط فقد تعدته إلى النثر فشملت الرسائل والمقامات، كتلك التي ظهرت بين الخوارزمي وبديع الزمان الهمذاني في مجال الرسائل، كما عارض ابن شرف الأندلسي بديع الزمان الهمذاني في مقاماته فعمل مقامة في ذكر الشعر والشعراء.

وقد اخترنا لك عزيزنا القارئ في هذه الصفحات القصائد السينية أو ما تسمى بـ"السينيات"، وهي عبارة عن ثلاث من أجمل ما نظم من معارضات شعرية، فدعنا نبحر بك ومعك لنمخر عباب بحور الشعر.

 
سينية البحتري 
وصف الشاعر العباسي البحتري إيوان كسرى في سينيته المشهورة التي تتوارد في أبياتها العظة التاريخية لهذه الدولة التي كانت ذات قوة عظيمة ثم اضمحلت يقول فيها:

 صُـــنتُ نَفسي عَمّا يُدَنِّسُ نَفسي
وَتَرَفَّعــــــــــتُ عَن جَدا كُلِّ جِبسِ

وَتَماسَكتُ حينَ زَعزَعَني الدَهـر
التِماساً مــــــــــِنهُ لِتَعسي وَنَكسي

بُلَغٌ مِن صُبابَةِ العَيشِ عِـــــندي
طَفَّفَتها الأَيّـــــــــــامُ تَطفيفَ بَخسِ

وَبَعيدٌ مابَينَ وارِدِ رِفَـــــــــــــــهٍ
عَلَلٍ شُـــــــربُهُ وَوارِدِ خِـــــــمسِ

وَكَأَنَّ الزَمانَ أَصبَحَ مَحــــــمولاً
هَواهُ مَـــــــعَ الأَخَسِّ الأَخَــــــــسِّ

لَو تَراهُ عَلِمتَ أَنَّ اللـــــــــــَيالي
جَعَلَت فيهِ مَأتَماً بَعدَ عُــــــــــرسِ

وَهوَ يُنبيكَ عَن عَجائِبِ قَـــــــومٍ
لا يُشابُ الـــــــبَيانُ فيهِم بِلَــــبسِ

وَإِذا ما رَأَيتَ صورَةَ أَنطـــــاكِيَّة
اِرتَعـــــــتَ بَينَ رومٍ وَفُـــــــــرسِ

وَالمَنايا مَواثِلٌ وَأَنوشَــــــــروان
يُزجي الصُفوفَ تَحتَ الدِرَفــــــسِ

في اِخضِرارٍ مِنَ اللِباسِ عـــــَلى
أَصفَرَ يَختالُ في صَبيـــــغَةِ وَرسِ

وَعِراكُ الرِجالِ بَينَ يَــــــــــــدَيهِ
في خُفوتٍ مِنهُم وَإِغمـاضِ جَرسِ

مِن مُشيحٍ يَهوى بِعامِلِ رُمـــــحٍ
وَمُليحٍ مِــــــــنَ السِنانِ بِتُـــــرسِ

تَصِفُ العَينُ أَنَّهُم جِدُّ أَحــــــــياءٍ
لَـــــهُم بَينَهُم إِشـــــــارَةُ خُــــرسِ

يَغتَلي فيهِم ارتيِابي حَـــــــــــتّى
تَتَقَرّاهُـــــــــــمُ يَدايَ بِلَــــــــــمسِ

وَتَوَهَّمتُ أَنَّ كِسرى أَبَـــــــرويزَ
مُعــــــــــاطِيَّ وَالبَلَهبَذَ أُنــــــــسي

حُلُمٌ مُطبِقٌ عَلى الشَكِّ عَــــــيني
أَم أَمانٍ غَيَّرنَ ظَنّي وَحَــــــــدسي

وَكَأَنَّ الإيوانَ مِن عَجَبِ الصَنعَةِ
جَوبٌ في جَــــــــــنبِ أَرعَنَ جِلسِ

يُتَظَنّى مِنَ الكَآبَةِ إِذ يَبــــــــــــدو
لِـــــعَينَي مُصـــــَبِّحٍ أَو مـــــُمَسّي

مُزعَجاً بِالفِـــراقِ عَن أُنسِ إِلفٍ
عـــــَزَّ أَو مُــــرهَقاً بِتَطليقِ عِرسِ

عَكَسَت حَظُّهُ اللَيالي وَباتَ المُشـ
تَـــــري فيهِ وَهوَ كَــــــوكَبُ نَحسِ

فَهوَ يُبدي تَجَــــــــــــــلُّداً وَعَلَيه
كَلـــــكَلٌ مِن كَلاكِلِ الدَهـــرِ مُرسي

لَم يَعِبهُ أَن بُزَّ مِن بُسُطِ الــديباج
وَاِســـــتَلَّ مِـــــن سُتورِ المَـــــقسِ

مُشمَخِّرٌ تَعلو لَهُ شُـــــــــــــرُفاتٌ
رُفِعَت في رُؤوسِ رَضوى وَقُـدسِ

لابِساتٌ مِنَ البَياضِ فَما تُـــبصِرُ
مِـــــنها إِلـــــّا غـــــَلائِلَ بــــــُرسِ

لَيسَ يُدرى أَصُنعُ إِنسٍ لِجـــــــِنٍّ
سَكَنـــــوهُ أَم صـــــُنعُ جِــنٍّ لِإِنـسِ

فَكَأَنّي أَرى المَراتِبَ وَالقَــــــــومَ
إِذا مـــــا بَلَغتُ آخِـــــرَ حِسّــــــــي

وَكَأَنَّ الوُفودَ ضاحينَ حَســـــرى
مِن وُقـــــوفٍ خَلفَ الزِحامِ وَخِنسِ

وَكَأَنَّ القِيانَ وَسطَ المَقاصــــــيرِ
يُرَجِّـــــعنَ بَينَ حُـــــوٍ وَلُعــــــــسِ

وَكَأَنَّ اللِقاءَ أَوَّلَ مِن أَمــــــــــسِ
وَوَشـــــكَ الفِـــــراقِ أَوَّلَ أَمـــــسِ

وَكَأَنَّ الَّذي يُريدُ إِتّـــــــــــــــِباعاً
طامـــــِعٌ في لُحوقِهِم صُبحَ خَـمسِ

عُمِّرَت لِلسُرورِ دَهراً فَــــصارَت
لِلـــــتَعَزّي رِبـــــاعُهُم وَالتـــــَأَسّي

فَلَها أَن أُعينَها بِدُمــــــــــــــــوعٍ
موقَفاتٍ عَلى الصـــــَبابَةِ حُـــــبسِ

ذاكَ عِندي وَلَيسَت الـــدارُ داري
بِإِقتِرابٍ مِنها وَلا الجــــِنسُ جِنسي


 
سينية شوقي
وحينما وصل شوقي إلى بلاد الأندلس بعد رحلة طويلة مضنية في أرجاء البلاد شاهد خلالها الأطلال والآثار المتهدمة من القصور والقلاع والجوامع، هيجت لديه الأحزان، وجددت به الآلام وهزت فيه الوجدان فأثارت مشاعره وشحذت أحاسيسه، وتجلت في خياله قصيدة البحتري، فانطلقت قيثارة شعره بسينيته معارضاً بها البحتري في خضم الظروف السيئة التي أحاطت به، وآثار الرحلة الشاقة التي زادت من تعاسته وعذابه النفسي، تطأ قدمه أرض الأندلس التي تضم أروع صور التاريخ الإسلامي وأزهرها وأشرقها، فأنشأ يقول:


اخـــــتلاف النــــــهار والـــــليل ينسي
اذكــــــرا لـــي الصبا وأيـــــام أنسي

وصـــــفا لـــي ملاوة مـــــن شـــــباب
صـــــورت مــــن تصـــــورات ومس

عصـــــفت كالصبا اللــــعوب ومـــرت
ســـــنة حـــــلوة ولـــــذة خــــــــــلس

وســلا مصر: هل سلا القلب عــــنها
أو أسا جـــــرحه الـــزمان المؤسي

كلـــــما مـــــرت الـــــليالـــي عـــــليه
رق، والعـــــهد فـي الليالي تقــــسي

مســـــتطـــــار إذا البـــــواخـــــر رنت
أول الـــــليل، أو عوت بــــعد جرس

راهـــــب فـــــي الضلوع للسفن فطن
كـــــلما ثرن شاعـــــهن بنــــــــــقس

يا ابـــــنة اليـــــم، ما أبـــــوك بـــخيل
مـــــاله مولعاً بمـــــنع وحــــــــــبس

أحـــــــرام عــــلى بلابـــــله الـــــدوح
حــــلال للـــــطير من كـــــل جـــنس؟

كـــــل دار أحـــــق بـــــالأهـــــــــل إلا
في خبيث مـــــن المـــذاهب رجـــــس

نفســـــي مـــــرجل، وقـــــلبي شراع
بهما في الدموع ســـــيري وأرســــي

واجـــــعلي وجهك (الفنار) ومجراك
يـــــد (الثغر) بــــين (رمل) و(مكس)

وطـــــني لو شـــــغلت بالخلد عـــــنه
نازعتني إلـــــيه في الخـــــلد نفسي

وهـــــفا بالفـــــؤاد فـــــي سلســـــبيل
ظمأ للـــــسواد مـــن (عين شمس)

شهد الله لـــــم يغب عـــــن جـــــفوني
شخـــــصه ساعـــــة ولم يخل حسي

يـــا فــــؤادي لكـــــل أمـــــر قـــــرار
فــيه يبـــــدو وينجـــــلي بعـــــد لبس

عقلـــــت لجـــــة الأمـــــور عـــــقولاً
طالت الحوت طـــــول ســـبح وغس

غـــــرقت حـــــيث لا يصاح بطـــــاف
أو غـــــريق، ولا يصـــــاخ لحـــــس

فلـــــك يكســف الشـــــموس نــهــاراً
ويســـــوم البـــــدور ليـــــلة وكــس

ومـــــواقـــيت للأمـــــور إذا مـــــــــا
بلغـــــتها الأمـــــور صـــــارت لعكس

دول كالرجـــــــــــــــال مـــرتهـــــنـات
بقـــــيام مـــــن الجـــــدود وتـــــعس

وليـــــال مــــن كـــــل ذات ســــــــوار
لـــــطمت كـــــل رب (روم) و(فرس)

ســـــددت بالهـــــلال قوســــاً وســلت
خنـــــجراً ينـــــفذان مـــــن كل ترس

حكـــمت في القرون (خوفو) و(دارا)
وعـــــفت (وائلاً) وألـــــوت (بعبس)

أيـــــن (مروان) في المشارق عــرش
أمـــــوي وفي الـــــمغارب كــــرسي؟

سقمت شـــــمسهم فـــــرد عــــــــليها
نـــــورها كل ثاقـــــب الرأي نـــــطس

ثم غابت وكل شمس سوى هـــــــاتيك
تبلـــــى، وتنـــــطوي تحـــــت رمس

وعـــــظ (البحتري) إيـــوان (كسرى)
شـــــفتني القصور من (عبد شمس)

رب ليـــــل ســـــريت والبرق طـــرفي
وبساط طويـــــت والريـــــح عنسي

أنظم الشرق في (الجزيرة) بالـــــغرب
وأطوي الـــــبلاد حزنـــــاً لـــــدهس

فـــــي ديـــــار من الخـــــلائف درس
ومـــــنار مـــــن الطـــــوائف طمس

وربى كالـــــجنان في كنف الـــزيتون
خـــــضر، وفـــــي ذرا الكرم طـــلس

لـــــم يرعـــــني سوى ثرى قــــرطبي
لمست فيه عــــــــــبرة الدهر خمسي

يـــــا وقى الله مـــــا أصبح مــــــــــنه
وسقى صــفوت الحيا ما أمــــــــــسي

قرية لا تـــــعد في الأرض كـــــــــانت
تمسك الأرض أن تمــــــــــيد وترسي

غشيت ســـــاحل المحيط وغــــــــطت
لجة الروم من شراع وقـــــــــــــــلس

ركب الدهر خـــــاطري فــــي ثراهــــا
فأتى ذلك الــــــــــحمى بــعد حـــــدس

فتجلت لي القصور ومـــــــــن فيـــــها
من العــــــــــز في مــــــــــنازل قعس

ســـــنة من كـــــرى وطـــــيف أمـان
وصــــــــحا القلب مـن ضلال وهجس

وإذا الـــــدار ما بها مـــــن أنيـــــــس
وإذا القوم ما لــــــــــهم مـــــن محس

ورقيـــــق مـــــن الـــــبيوت عـــــتيق
جاوز الألف غير مــــــــــذموم حرس

أثـــــر مـــــن (مــحـــــمد) وتـــــراث
صــــــــار (للروح) ذي الولاء الأمس

بلــــــــغ النجـــــم ذروة وتنـــــاهـــــى
بين (ثهلان) في الأساس و(قـــــدس)

مـــــرمر تســـــبح الـــــنواظر فـــــيه
ويطــــــــــــــول المدى عليها فترسي

وســـــوار كأنـــــها فـــــي اســـــتواء
ألفــــــــــات الوزير في عرض طرس

فـــــترة الدهـــــر قد كست ســـطريها
مــــــا اكتسى الهدب من فتور ونعس

ويحـــــها! كـــــم تـــــزينت لعلــــــــيم
واحــــــــــد الدهر واستعـــدت لخمس

وكـــــأن الرفيف فـــــي مسرح العين
مــــلاء مــــــــــدنرات الــــــــــدمقس

ومكـــــان الكـــــتاب يغـــــريك ريـــــاً
ورده غــــــــــائباً فــــــــــتدنو للـمس

صـــــنعة (الداخـــــل) المبـــــارك في
الغـــــرب وآل لـــــه ميامـــين شمس

مـــــن (لحمراء) جـــــللت بغبـــــــــار
الدهر كالـــــجرح بـــــين بـرء ونكس

كـــــسنا البرق لو مــحا الضوء لحظاً
لمحتها العـــــيون مـــــن طــول قبس

حصـــــن (غرناطة) ودار بني الأحمر
مـــــــن غـــــافل ويقـــــظان نـــــدس

جـــــلل الثلج دونـــــها رأس (شيرى)
فـــــبدا مــــــــــنه في عـصائب برس

ســـــرمد شـــــيبه، ولـــــم أر شـــــيئاً
قـــــبله يــــــــــرجى البــــقاء وينسي

مشت الحادثات في غرف (الحمراء)
مــــــــــشي النـــــعي في دار عــــرس

هـــــتكت عــزة الحجـــــاب وفـــــضت
ســــــــــدة الباب مــــن سمير وأنسي

عـــــرصات تخـــــلت الخــيل عـــــنها
واســــــــــتراحت من احتراس وعس

ومغـــــان عـــــلى الليالـــي وضـــــاء
لـــــم تجــــــــــد للــــعشي تكرار مس

لا ترى غـــــير وافدين عـــلى التاريخ
ساعـــــين فـــي خـــــشوع ونـــــكس

نقلوا الطـــــرف فـــــي نضـــــارة آس
مـــــن نقــــوش، وفي عصارة ورس

وقبـــــاب مـــــن لازورد وتـــــــــــــبر
كالـــــربى الشـــــم بيـــن ظل وشمس

وخطـــــوط تكـــــفلت للمـــــعانــــــــي
ولألفـــــاظـــــها بـــــأزيـــــن لـــــبس

وتـــــرى مجـــــلس السبـــــاع خـلاء
مـــــقفر القـــــاع مــــن ظباء وخنس

لا (الثـــــريا) ولا جـــــواري الثريـــــا
يـــــتنزلن فـــــيه أقـــــمار إنـــــــــس

مـــــرمر قامـــــت الأســـــود عـــــليه
كـــــلة الظـــــفر ليـــــنات المـــــجس

تنثر المـــــاء في الحـــــياض جمــــاناً
يـــــتنزى عـــــلى تـــــرائب مـــــلس

آخـــــر العـــــهد بالجزيـــــرة كــــانت
بـــــعد عـــــرك مــن الزمان وضرس

فتـــــراها تقـــــول: رايـــــة جـــــيش
باد بالأمـــــس بـــــين أســـــر وحـس

ومفـــــاتيحها مقـــــالـــــيد مــــــــــلك
بــــــــــاعها الوارث المضــيع ببخس

خـــــرج القــــوم في كـــــتائب صـــــم
عن حــــــــــفاظ كموكب الدفن خرس

ركـــــبوا بالبـــــحار نعـــــشاً وكـــانت
تحــــــــــــت آبائهم هي العرش أمس

رب بـــــان لهـــــادم، وجـــــمـــــــوع
لمـــشت ومحــــــــــسن لمــــــــــخس

إمـــــرة الـــــناس هـــــمة لا تــــــأنى
لـــــجبــان ولا تســـــنى لــــــــــجبس

يا ديــــــــــاراً نزلت كالخلد ظــــــــــلاً
وجـــــنى دانياً وســــــــــلسال أنـــس

مـــــحسنات الفـــــصول لا نـاجر فيها
بقـــــيظ ولا جــــــــــمادى بـــــــقرس

لا تـــــحش العـــــيون فـــــوق ربــاها
غـــــير حـــــور حــو المراشف لعس

كســـــيت أفـــــرخي بظـــــلك ريـــشاً
وربـــــا فـــــي ربـــاك واشتد غرسي

هـــــم بـــــنو مـــصر لا الجميل لديهم
بمضـــــاع ولا الصـــــنيع بـــــمنسي

مـــــن لسان عـــلى ثنـــــائك وقـــــف
وجـــــنان عـــــلى ولائـــــك حـــــبس

حسبـــــهم هـــــذه الطـــــلول عـــظات
مــن جـــــديد على الدهـــــور ودرس

وإذا فاتـــــك التفـــــات إلـــى الماضي
فـــــقد غـــــاب عـــــنك وجه التأسي
 

سينية بلخير : ملحمة غرناطة وقصور الحمراء

وفي العصر الحديث كـتب الأديب والشاعر عبدالله بلخير المشهور بالملحمات الأندلسية في ثانية ملاحمه السبع (سينيته) معارضاً البحتري وشوقي قائلاً:

 
ذكرياتي مـــــــــــا بين يومي وأمسي
هي عمري ما بين سعدي ونــــــحسي

ضاع منها ما ضــاع في مهمه العمر
وطواها بين اخـــــــــــــضرار ويبــس

وتبقى منها الــــــــذي رسبت مـــــنه
رؤى لا تــــــــرى بفــــــــكري وحسي

مومضات تشع طوراً وتخــــــــــــــبو
في شريط، في ظلمة الــــــذهن منسي

تتعــــــالى به حياتــــــــي وتكــــــــبو
بين كرب مـــــــن الزمان وأنســــــــي

خــــــــاض أمواجها شراعي يطـوي
البـحر طياً بــــــــه يسير ويــــــــرسي

تتغشاه من أعــــــــاصير الـــــــهوج
مــــــــثال الجــبال (رضوى) و(قدس)

فهو ما بينها يغــــــــوص ويطــــــفو
ثــــــــم يمــــضي على ظهور وغطس

هو عمر مضى وقد أذن العــــــــصر
فأضحى مصــــــــبح العـــــــمر ممسي

وهــــــــو في دورة المحاق فلم تبق
اللــــــــيالي مـــــــن بدرها غير سدس

ما تبــــــــقى من ذكريــــــــاتي عنه
قــــــــطرات عــــــلى حصى منه ملس

جـــــف في بعدها نداها فــــــــلا تبتل
من مســــــــها بنــــــــاني بمــــــــسي

طافت الــــــذكريات بي فــــــــي ذرى
(الحمراء) في عالم على المجد مرسي

طفــــــــت فيها وفي حناياي مــــــنها
زفــــــــرات الواعي، العليم، الـــمحس

نادباً عــــــــزها، وملك (بني الأحمر)
فيها، بــــــــهيبة المــــــــلك مـــــكسي

طفت أرجــــــــاءها وبــــين صياصيه
كــــــــأني أطــــــــوف فيــــها برمسي

في جموع تــــــــوافدت من زوايا الـ
أرض كانت غــــــــريبة الــــدار ليسي

تتلاقى أنــــــــظارهم فــــــــي تلاقيهم
وتصــــــــغي الآذان في كـــــــل دعس

في وجوم كأنهم فــــــــي عـــزا موت
فــــــــقيد لــــــــهم ورنــــــــات تقــس

هي هذي (الحمرا) ولا غـــــــالب إلا
الله كــــــــانت (دار الخــــــــلافة) أمس

كانت الملك والخــــــــلافة والــــــفتح
لآل مــــــــن العــــــــروبة شــــــــمس

ثـــــم زالت وزال ملك (بني الأحمر)
مــــــــــــــــنها لمــــــــا أصيب بنـكس

مثل ما زال مـــــــلك (دارا) و(قسطنـ
طين) في الأرض بعــــد ملك (تحمس)

وانتــــــــهى (هيـــــــنبال) و(إسكندر
الأكبر) وانهار مـــلك (روم) و(فرس)

سنة الكــــــــون أن يزول وينــــــــهار
بناء الباني عــــــــــــــــلى غــــير أس

تلك (حمراؤنا) على مفرق (أوروبا)
مــــــــنار يهدى بــــــــه كل مـــــمسي

وهي في حمرة العقيق تـــــــــــراءت
تتــــــــلألأ وفــــــــي بريق الــــدمقس

مشرئباً إلى رفافها أرنو إليهــــــــــــا
تفــــــــيض بالــــــــحزن نفـــــــــــسي

خــــــاشع الطرف عندما لاح لــــــــي
فيها (المصلى) ولاح (تاج) و(كرسي)

فاقشعرت مشاعري وتـــــــــــــراءت
لـــــــي رؤى حاضري الحزين كأمسي

خـــيلت لي تموج أكــــــــنافها بالخيل
كالصبح في صهــــــــيل وعـــــــــــس

أشرقت في سنا (الخلافة) تــــــــزهو
بــــــــرجال شــــــــم المعاطس نــطس

والكراديس من (تجيب) ومن (حمير)
(صنــــــــهاجة) الفــــــــتوح و(قيس)

وقــــــــفوا في رماحــــــــهم وظـباهم
كــــــــسنا الفــــــجر بين طرد وعكس

في ظــــــــلال المصفقات من الرايات
فــــــــي (خزرج) تــــــــرف و(أوس)

فوق هامات قــــــــادة (العــرب) من
(عبد مناف) ومـــن بني (عبد شمس)

والأذان الــــــــداوي عـــلى الهضبات
الخضر يدعو إلى فرائض خــــــــمس

تتعــــــــالى به قراهــــــــم وتسمـــــو
حــــــــين تصحو عليه أو حين تمسي

وتــــراءى لي (الخليفة) في (إيوانه)
مصــــــــبحاً بــــــــها أو ممــــــــسي

حوله الفاتحون فــــــــي زرد الفولاذ
يــــــــزهون فــــــــي إبــــــــاء وبأس

فلك شع بالشموس أنـــــــار (الغرب)
عــــــــبر القــــــــرون فــــي كل درس

ما رأت فــــــي ظلامها قبله (أوروبا)
ضيــــــــاء يضــــــــيء فيـــــها بقبس

مثل أضواء (قرطبا) وسنا (غرناطة)
فــــــــــــــــي الدجــــــى ونور (بلنس)

كـــانت الأرض كلها تتــــــــــــــــلاقى
حــــــــــــــــول أبوابها ومن كل جنس

تتلقى العلم الغزير على أعــــــــلامها
الغر من إمــــــــــــــــام وكيـــــــــــس

ووفود (الرومان) و(الغال) و(الجر
مان) حول الأبواب أطــــــــــياف نكس

وقفوا في الصفوف يلتمسون الإذن
لا ينــــــــــــــــبسون فيها بنــــــــــبس

كلما لاح حاجب حفت الأنظـــــــــــــار
مــــــــــــــــنهم به ولــــــــفت بـوجس

كـــــلهم شاخص إلى الإذن في غمزة
طــــــــرف أو فــــــــي إشارة خــــلس

شــــــــرف باذخ لهم أن يقــــــــوموا
فــــــــي صـــفوف على ظلال الدرفس

يستظلون بـ (الخــــــــــــــــلافة) فيها
وهي عدل يبنــــــــي وينــشي ويكسي

تلك (حمراؤنا) بنـــــاها (بنو الأحمر)
يضـــــــــــــــــحي الخيال فيها ويمسي

تخت مــــــــــلك الإسلام فوق روابي
(البيرينه) الخــــــــــضرا أقيم وأرسي

فاحت الأرض حولها بالربيع الطـــلق
قــــــــد ضاع من خــــــــزامى وورس

عبق لا تــــــــــــــــزال أستارها تنفثه
فــــــــي الأكــــــــف، في كــــــل لمس

وهي تــــــــختال في مطارفها الحمرا
عـــــــــــــــروساً يزهو بها ليل عرس

طفت فيها أجر خطوي، ودقــــــــــات
فــــــــــــــــؤادي تقود ترجيع دعــسي

وتجــــــــــــــــولت بين أروقة القصر
حــــــــــــــــزيناً في خيبتي بعد يأسي

تتوالى خواطــــــــري ورؤى شجوي
بــــــــــــــــذهني على خيالي وهجسي

حينما راعــــــــني الذي راعني منها
فــــــــــــــــحوقلت في قنوطي وبؤسي

وتحــــــــسست مهجتي وعرى قلبي
فـــــــــــــــــــــــــــلم أهتد إليها بحسي

فتهاويت خائر العــــــــــــــــــــزم ثاو
واضــــــــــــعاً راحتي من حول رأسي

شـــــــــــارد الذهن لا أرى ما أمامي
حاسباً رجـــــــــس أمتي أمس رجسي

وعــــــــلى هامتي هواني على نفسي
هـــــــــــــــوان المجنى عليه المخس

فكـــــــــــــــــــأني وحدي الملوم على
تعـــــس (جدودي) يهزني هول تعسي

تــــــــــــــــلك حمراؤنا وحين أسميها
أســــــــــــــــمي ما أفـــــــتديه بنفسي

مجــــــدنا الأعظم الذي انقض وانهار
وما زال ذكــــــــــــــــــره اليوم قدسي

نـــــــاح (شوقي) على مشارفها قبلي
تشـــــــــــــاجى بـ (البحتري) في تأس

وتشاجيت منهما حـــــــــــــــين سالت
دمــــــــــــــوعي على يراعي وطرسي

وتماديت حين زاحمت فـــي (القصر)
(الأميرين) فــــــــــي غرور (البرنس)

فقصور الحمــــــــــــــــراء (دار أبي
سفيان) داري والجنس لا شك جنسي

حــــــــــــــاملاً رايتي أهز بها شعري
تعــــــــــــــــــالت به جذوري وغرسي

ما تخطتني الصفوف فمن حــــــــولي
وخلفي (قيسي) و(عبسي) و(عنسي)

جـــــــــــــــزتهم في سما (عكاظ) فقد
رف جنـــــاحي على السحاب وجرسي

يتبـــــــــــــــــــــارون في لحاقي وهم
خــــــلف غباري على مدى قاب قوس

وأنا عــــــــــــــــــند (سدرة المنتهى)
أرنو إلـــــــــــــيهم على أهازيج قعس

لا أبــــــــــــــــالي بأن يغص بما قلت
شــــــــحيح الإنصاف في ضيق نفسي

فكثير ألا يقال لــــــــــــــــمن أحـــسن
أحســـــــــــــــــنت، في الزمان الأخس

هـــــــمسات رنت بأذني في (الحمرا)
كهــــــــــــــــمس الجني في أذن إنسي

فتريثت فــــــــي مقــــــــــــــــاصيرها
أصــــــــــــغي إليها بكل وعيي وحسي

سابحاً فــــــــي مشاعري في متاهات
تلاقى فيــــــــــــــــــــها يقيني بوجسي

كيف كـــــــــنا، وها هو اليوم ما كان
وكـــــــــــــــــــــنا، أطلال سعد ونحس

هي هذي ديارهم عـــــــــــــبرة الدنيا
وكــــــــــــــــــــــبرى العظات للمتأسي

بقيت عبرة يطــــــــــــوف بها الناس
وتــــــــــــــــــرنوا لها العيون فتخسي

ويحج (السياح) ساحــــــــاتها ماجت
بأفواجهم بزهــــــــــــــــــــــــو وميس

كل ركـــــــــــــــــــــــن منها يئن لما
مـــــــــــــــــر عليها من نائبات وحس

بحــــــــــــــــت النائحات فيها عــــلى
الا ضــــــــاع يندبن في مواكب عمس

وأمحى ما عــــدا (شعار) بني الأحمر
وما زال فضــــــــــــــــــــلة المتحسي

وهو فــــيما يرى (ولا غالب إلا الله)
فيه أسى الخــــــــــــــــــطوب المؤسي

يصــــــــــــــــطفيه (السياح) في سوق
(غرناطة) فــــي هزء من أصيب بمس

جــــــــــــــــــعلوه مثل الدنانير ذكرى
حــــــــــــــــــول أعناقهم تـدلى بسلس
 

أبيـــــات لها قصـــــــة

الخير أبقى وإن طال الزمان به        والشر أخبث ما أوعيت من زاد
 ذكر الميداني في كتاب الأمثال أن البيت قال عبيد بن الأبرص أو أبو عبيد؛ وقال أنهم زعموا أنه من أقوال الجن، وبعضهم ينسبه إلى طرفة بن العبد. والصحيح أنه لعبيد بن الأبرص الشاعر الجاهلي. وفي هذا حكاية وهي أن عبيد بن الأبرص سافر في ركب من بني أسد فبينا هم يسيرون إذا هم بشجاع(حيَّة) يتمعَّك على الرمضاء غاتحا فاه من العطش وكان مع عبيد فضلة من الماء، فنزل فسقاه، فلما انتعش انساب في الرمل، فلما كان في الليل ونام القوم ندَّت رواحلهم وتفرقت فلم يُرَ لها اثر فقام كل واحد يطلب راحلته فتفرقوا فبينا عبيد كذلك وقد أيقن بالهلكة والموت إذ هو بهاتف يقول له:

يا أيها الشخص المضل مذهبه       وليس معه من أنيس يصحيه
 دونك هذا البكر خذه فاركبه          حتى إذا الليل توارى مغربه
 بساطع الصبح ولاح كوكبه               فحط عنه رحله وسبسبه


فقال عبيد : يا ايها المخاطِب نشدتك الله إلا أخبرتني من انت ؟

 فأنشأ الهاتف يقول :

أنا الشجاع الذي ألفيته رمضاً     ينازع الماء من ذي المورد الصادي
 فجدت بالماء لما ضن حامله           رويت هامي ولم تولع بإنكادي

 الخير يبقى وإن طال الزمان به       والشر أخبث ما أوعيت من زاد

 وتروى هذه الأبيات:

أنا الشجاع الذي ألفيتني رمضاً      والله يكشف ضر الحائر الصادي
 فجدت بالماء لما ضن حامله                تكرما منك لم تمنن بإنكاد
 الخير يبقى وإن طال الزمان به       والشر أخبث ما أوعيت من زاد
 هذا جزاؤك مني لا أمُنُّ به        فاذهب حميدا رعاك الخالق الهادي

 ويقال أيضا إن عبيد بن الأبرص لما ركب البكر الذي أعطاه إياه الهاتف وجنب بكره ووصل إلى أهله سالمًا وأطلق سراح بكر الهاتف قال هو للبكر :

يا أيها البكر قد أنجيت من كرب      ومن هموم تضل المدلج الهادي
ألا فخبرني بالله خالقنا         من ذا الذي جاد بالمعروف في الوادي
وارجع حميداً فقد بلغتنا مننا        بوركت من ذي سنام رائح غادي


فرد عليه البكر بالأبيات التي بقوله:

أنا الشجاع الذي ألفيته رمضاً     ينازع الماء من ذي المورد الصادي
 فجدت بالماء لما ضن حامله           رويت هامي ولم تولع بإنكادي
 الخير يبقى وإن طال الزمان به        والشر أخبث ما أوعيت من زاد
 فتعجب الرشيد من قوله، وأمر بالقصة والأبيات فكتبت، وقال: لا يضيع المعروف أين وُضع!

أكلتم تمري وعصيتم أمري - مثل

أول من قال هذا المثل هو عبد الله بن الزبير عندما تخلى عنه بعض رفاقه في مواجهته للحجاج بن يوسف الثقفي قبل أن يتمكن الأخير من قتله ، والتمثيل بجثته ويضرب المثل للناس التي تنكر الجميل وترد على حسن الصنيع بالجحود والإساءة.

يا ظبية البان ترعى في خمائله - الشريف الرضي

يا ظَبيَةَ البانِ تَرعى في خَمائِلِهِ لِيَهنَكِ اليَومَ أَنَّ القَلبَ مَرعاكِ 
الماءُ عِندَكِ مَبذولٌ لِشارِبِهِ وَلَيسَ يُرويكِ إِلّا مَدمَعي الباكي 
هَبَّت لَنا مِن رِياحِ الغَورِ رائِحَةٌ بَعدَ الرُقادِ عَرَفناها بِرَيّاكِ 
ثُمَّ اِنثَنَينا إِذا ما هَزَّنا طَرَبٌ عَلى الرِحالِ تَعَلَّلنا بِذِكراكِ 
سهم أصاب وراميه بذي سلم مَن بالعِرَاقِ، لَقد أبعَدْتِ مَرْمَاكِ 
وَعدٌ لعَينَيكِ عِندِي ما وَفَيتِ بِهِ يا قُرْبَ مَا كَذَبَتْ عَينيَّ عَينَاكِ 
حكَتْ لِحَاظُكِ ما في الرّيمِ من مُلَحٍ يوم اللقاء فكان الفضل للحاكي 
كَأنّ طَرْفَكِ يَوْمَ الجِزْعِ يُخبرُنا بما طوى عنك من أسماء قتلاك 
أنتِ النّعيمُ لقَلبي وَالعَذابُ لَهُ فَمَا أمَرّكِ في قَلْبي وَأحْلاكِ 
عندي رسائل شوق لست أذكرها لولا الرقيب لقد بلغتها فاك 
سقى منى وليالي الخيف ما شربت مِنَ الغَمَامِ وَحَيّاهَا وَحَيّاكِ 
إذ يَلتَقي كُلُّ ذي دَينٍ وَماطِلَهُ منا ويجتمع المشكو والشاكي 
لمّا غَدا السّرْبُ يَعطُو بَينَ أرْحُلِنَا مَا كانَ فيهِ غَرِيمُ القَلبِ إلاّكِ 
هامت بك العين لم تتبع سواك هوى مَنْ عَلّمَ العَينَ أنّ القَلبَ يَهوَاكِ 
حتّى دَنَا السّرْبُ، ما أحيَيتِ من كمَدٍ قتلى هواك ولا فاديت أسراك 
يا حبذا نفحة مرت بفيك لنا ونطفة غمست فيها ثناياك 
وَحَبّذا وَقفَة ٌ، وَالرّكْبُ مُغتَفِلٌ عَلى ثَرًى وَخَدَتْ فيهِ مَطَاياكِ 
لوْ كانَتِ اللِّمَة ُ السّوْداءُ من عُدَدي يوم الغميم لما أفلتِّ أشراكي

الحقيقة و... الانهيار - صابر حجازي


وَمَضَى زَمَانٌ
لَمَ تَزَلْ وَمَضَاتَ طَيْفِكِ
في المَدَى
نُورًا يُغنُيِّ للنِّهارْ
وَ أنَا أُنَادِي في الفَضَا
تَرْتَدُ أنَّاتُ النَّدَا
مِثْلَ الدَّمَارْ

وَمَضَى زَمَانٌ
أُسْدِلَتْ كَفُّ البُّعَادْ
وَعَلا جِدَارْ
فَأَرَاكِ فَجْرًا ذَابِلا..
قلبًا
تُحَاصِرُهُ الهُمُومْ
يُمِيتُهُ
صَمْتُ الحِصَارْ

أَرْنُو لِأَيامٍ هَوَتْ
فَوْقَ التُرَابْ
وَتَرْتَضِي المَوْتَ البَطِئ
بِلا اخْتِيَارْ
وَجِرَاحَ حُبٍّ أَخْضَرَ تَعْدُو
وَتَعدُو
فِي انْهيَارْ

وَأَتَى خَرِيفٌ
فَانْزَوَتْ
أَزْهارُ حُبِّي
وَارْتَوتْ
بِدِمَاءِ قَلْبِي..
فَانْطَوَتْ
بَينِي وبينِكِ
في دُرُوبِ الانْتِظَارْ

وَمَضَى زَمَانٌ
فأراكِ في جَوْفِ الظَّلامِ فَرِيسَةً
كَمْ تَرْتَضِي..
ذُلَّ البَوَارْ

فَأَضِيعُ في صَمْتِ الهَزِيمَةِ
والشَّقَاءْ
بِلا شِرَاعْ
وَتَجِفُّ في عُمْرِى الأَمَانِي
والمُنَى..
قُوتًا لِنَارْ

يمضي الزمانُ
و أراكِ طَيْفًا
ربما.. ،
يَأتي حَنُونًا..
عِنْدَمَا..
الذِّكْرَى..
تُرَوِادُنِي يوما
لِعُمْرِ الانْكِسَارْ



                            صابر حجازي

ويظل الروض حيا - أشرف حشيش


ارتـوتْ أعـشابُ شـوقي
              مــن عـيـوني الـبـاذخاتِ
وزهتْ في سطرِ شعري
             كــــلُّ أصــنــافِ الـنـبـاتِ
وظــبـاءُ الـفـكـرِ تَــرْعـى
                حُــــرّةً فــــي أمـنـيـاتي
مـثـلـما الـمِـبْراةُ تَـرْعَـى
                 قــلـمـاً خــــطّ صـفـاتـي
أتْـــرُكُ الـمـمـحاةَ تـمـحو
                 كــلَّ يــومٍ مــن حـيـاتي
إنــهــا تــضــأل حــجـمـا
                مـثـلـمـا تــضـألُ ذاتـــي
ويــظــلُّ الــــروض حــيّـا
               أثـــــرا فـــــوق رفــاتــي
فــأُضــحّــي وتُــضَــحِّـي
               والـــهــوى بـالـتَّـضـحياتِ
وأبــــاريـــقُ حــنــيــنـي
                  طَــفَــحَــتْ بــالـذكـريـات
بــبـسـاتـيـن حـــروفــي
                     حـدّثـتـني سَـوْسَـنَـاتي
أنَّ مـــــن يــــزرع حــبّــا
                 بــالــحـروف الــصـادقـات
كــالــذي يــحــرز نــصـرا
                   بــالــجـيـاد الــصــافـنـات

الشــــــــمــــــــس - للشاعر خليل أحمد مردم بك


ما لها تشرق حمراء، تراها..
مقلة وسنى افاقت من كراها..؟؟
أم تراها شعلة والسحب مرت..
فوقها مثل دخان قد علاها..؟؟
هي مرآة على صفحتها ..
آية الله وقد لاح سناها...
ولها في كل يوم رحلة..
بين شرق الارض والغرب مداها..
لا تراها في مكان واحد..
ومحال ان ترى العين خطاها..
لم تزل وهي التي شاهدها ..
آدم في عنفوان صباها..
كل شيء باسم ان أسفرت ..
فاذا ما احتجبت خلف غطاها..
عبس الجو اكتبائا وأسىً..
وبدفع المزن من دمع بكاها.
حلية تزهو السماوات العلا..
بسناها فاذا الغرب طواها..
بثت النجم عيونا خلفها..
يتطلعن الى أين سراها..

الأحد، أبريل 29، 2012

حننتَ إلى ريَّا - للصمة القشيري

حننتَ إلى ريَّا ونفسك بـاعــدت * مزارك من ريـَّا وشعباكما معـا

فما حسنٌ أن تأتيَ الأمر طائعـا * وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا

كأنك لم نـشـهـد وداع مـفارق * ولم تر شعـبي صاحبين تقطـعـا

ألا ياخليلـي اللـذين تـواصـيا * بلومي إلا أن أطـيـع وأسـمعـا

فإني وجدت اللوم لايذهب الهوى * ولكن وجدت اليأس أجدى وأنفعا

قفاودِّعا نجدا ومن حل بالحمى * وقلَّ لنجـــدِ عندنا أن يُودعـا

بنفسي تلك الأرض ماأطيب الربا * وماأحسن المصطاف والمتربعــا

وأذكر أيام الحمى ثم أنـثـنـي * على كبدي من خشيــةٍ أن تصدعا

فليست عشيــات الحمى برواجع * عليك ولكن خلِّ عينيــك تدمعـا

ولما رأيت البِشـر أعرض دوننـا *وجالت بنات الشوق في الصدرنُزعا

تلفثَّ نحو الحيِّ حتـى وجـدتـنـي * وجعت من الإصغاء ليتاً وأخـدعـا

بكت عيني اليمنى فلما زجرتهـا * عن الجهل بعدالحلم أسبلتا معا

أمـا وجــلال الله لو تذكـرينـنـي * كذكريك ما كفكفتِ للعين مدمعا

فقالت بلى والله ذكراً لو أنـه * يصب على صــمِّ الصفــا لتصدعا

لقد خفت إلا تقنع النفس بعدها * بشيء من الدنياوإن كان مقنعا

وأعذل فيهـاالنفس إذحيل دونها * وتأبى إليهـا النفس إلا تطلُّعا

سـلام على الدنيا فما هي راحة * إذا لم يكن شملي وشملكما معا

ولا مرحبـا بالربع لستتم حلوله * ولو كان مخضل الجوانب ممرعا

فمـاء بلا مرعى ومرعى بغير ما * وحيث أرى مـاء ومرعى فمسبعا

لعمري لقد نادى منادي فرقنـا * بتشتيتنا في كل واد فأسمعـا

كأنـَّا خلقنــا للنوى وكأنما * حرام على الأيام أن نتجمعــا


أرثـــــــــــيك نفسي


مهْلاً فقـــــلبي من الأوجاع يرتعدُ
إن ترحلي فالهوى يمضي ويفــتقدُ

الموج والبحر في عينيك قــــد سكبا
والســحر يمسي على الخدَّين يتَّـــحدُ

قولــي لحسْــــنك هلْ بالْبدْرِ مقترنٌ
أمْ للــهوى أنْـــت منْهاجٌ ومعــــتقدُ

كيف السبيـــل إلى عينيــك يا امرأةً
إنَّ الفـــراق بسيـــفِ الهجْرِ يجــتهدُ

جرحي يفوقُ حدود الصـبر والحـكم
حزنـي دفيــنٌ كمثْــل النَّـــار يتقـــــدُ

ثكْــــلى حروفي فما عادت تشاركني
أضْــحت بلا أمـــلٍ تشـــكو وتبْــتعدُ

قلبي الذي كـــان مـرْسى للهوى زمناً
باللـــه كيــف بعــــــيداً عنـــك ينفردُ

رحمـــاك إن الهوى من دونــنا تعـــبٌ
والـــروح تفْــني فمــــاذا يفعل الــجسدُ
مـــدّيَ إليَّ جســـــــــور الحبَّ يا امرأةً
يغفـــو الفــراش علـــى كفَّــيك إذ يفـدُ

أنا الــــذي كــان بالأمس القريب هنا
بين الضلوع وبيـــن العيــــن يتســــدُ

فالليل والبــــحر والأطيــــار تعرفني
ســــلي النــجوم إذا العشَّــاق قد جحدوا

حسًّــــادنا في الهوى حــــارت عقولهمُ
فلـــمْ نــــبالِ ولـــم نحْفـــلْ إذا حســـدوا

فــــكم ملأنـــا من الأحـــــلام جعْبتنا
بحثْــــت عنْها وعن عمْـــري فهل أجدُ ؟
إن كنـــت سيَّــــدتي بالهجْـــر قاتـــلتي
بالمــــوت أرضــى وهل بالموت نبتعدُ ؟

كــفَّـــي جراحكِ إنَّ الحـــزن يقتلني
ما لي ســــواكِ فأنْــــت القلب والكبدُ

ضاقتْ عليَّ الدنـــا واسْتسْلمتْ لغـــتي
أرْثيــــك نفْــسي فإنَّ النَّــفس تلْتَــــحــدُ

يا حرقـــة النَّـــفس من فقْـــدٍ يعذَّبني
يدْمـــي فؤادي بــــلا خوفٍ فأفـــتأدُ
يا منْية الروح إن الرُّوح مـــرْهـــقــةً
جودي بوصْـــلٍ لأجل الحبَّ قــد نَرِدُ

إنَّ الطـــيور الـــتي كـــانت تـــداعبنا
أمْســــتْ بلا وطــــنٍ تغْدو ولا تعـــدُ

إنَّـــي سئمْــــت حياتي منــــذ أن رحلت
ما عاد يجْــــدي معي صبرٌ ولا جلــــدُ

سأتْرك الحـــــب قطْعاً غيـــر معْتذرٍ
ماذا عســـايَ إذا الأحـــباب قد فقـــدوا

شيَّعْــت حبَّــي لقبْـــرٍ بات مرْقــــــده
علَّي أراهـــا بدنْيا الخلدِ ترتـــــــغدُ