المشــــــــــــاهدات

الخميس، أبريل 19، 2012

الفرق بين سبع سنابل وسبع سنبلات

قال الله عز وجل :﴿ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ ﴾(البقرة:261) ، فأتى بتمييز العدد ( سبع ) على ( سَنَابِلَ ) ، وهو جمع كثرة ، وكان من حقه أن يؤتى به على ( سُنْبُلاتٍ ) ؛ ليطابق العدد معدوده ، كما في قوله تعالى :﴿ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ﴾(يوسف:43‏) .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : لم عدل عن ( سُنْبُلاتٍ ) في آية يوسف إلى ( سَنَابِلَ ) في آية البقرة ؟ والجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : أن المقام في آية البقرة مقام تكثير وتضعيف ، فناسب ذلك جمع الكثرة . أما آية يوسف فلا مقتضًى فيها للتكثير والتضعيف ، فأتى بجمع القلَّة ؛ ليطابق اللفظ المعنى . وهذا الوجه نقله الزركشي في البرهان عن بعضهم . وبنحو هذا الجواب أجاب البقاعي في نظم الدرِّ عند تفسير قوله تعالى :﴿ وَسَبْعُ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ ﴾ ، فقال :« ولما كان تأويل المنام : الجدب والقحط والشدة ، أضاف العدد إلى جمع القلة ، بخلاف ما كان في سياق المضاعفة في قوله :﴿ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ﴾ ، فقال :﴿ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ ﴾ » .
والوجه الثاني : قيل : إن جمع السلامة ، بالواو والنون ، أو بالألف والتاء ، لا يميَّز به من ( ثلاثة ) إلى ( عشرة ) ؛ إلا في موضعين :
أحدهما : ألا يكون لذلك المفرد جمع سواه ؛ كقوله تعالى :﴿ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾(الطلاق:12) ، فجاء بجمع ( سماء ) على ( سموات ) ؛ لأنه ليس لها سوى هذا الجمع . وكذلك ﴿ سَبْعَ بَقَرَاتٍ ﴾(يوسف:43) ، و﴿ تِسْعَ آيَاتٍ ﴾(الإسراء:101) ، و﴿ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ ﴾(البقرة:157) ؛ لأن ( بقرة ) ، و( آية ) ، و( صلاة ) ليس لها سوى هذا الجمع ، ولم تجمع على غيره .
والثاني : أن يكون مجاورًا لما أهمل فيه هذا الجمع ، وإن كان المجاور لم يهمل فيه هذا الجمع ، فيعدل إليه لمجاورة غيره ؛ فقوله تعالى :﴿ وَسَبْعُ سُنْبُلاتٍ ﴾(يوسف:46) ، لمَّا عُطِفَ على :﴿ سَبْعَ بَقَرَاتٍ ﴾(يوسف:46) وجاوره ، حَسُن فيه الجمع بالألف والتاء . ولو كان لم يُعْطَفْ ولم يجاور ، لكان :﴿ وسَبْعُ سَنَابِلَ ﴾ كما في آية البقرة ؛ ولذلك إذا عرِّيَ الجمع عن المجاور ، جاء على صيغة جمع التكسير في الأكثر والأوْلى ، وإن كان يجمع جمع سلامة ، ومثال ذلك قوله تعالى :﴿ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ ﴾(الحاقة:7) ، وقوله :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ ﴾(المؤمنون:17) . لم يقل :( سبع ليلات ) ، ولا ( سبع طريقات ) ، وإن كان ذلك جائزًا في جمع : ( ليلة ) ، و( طريقة ) .
ويتحصَّل من ذلك : أن قوله تعالى :﴿ سَبْعَ سَنَابِلَ ﴾ جاء على ما تقرر في العربية ، من كونه جمعًا متناهيًا ، وأن قوله :﴿ وَسَبْعُ سُنْبُلاتٍ ﴾ ؛ إنما جاز لأجل مشاكلة ﴿ سَبْعَ بَقَرَاتٍ ﴾ قبله ومجاورته له . وهذا حاصل جواب أبي حيان في البحر المحيط ، وهو الصواب ، إن شاء الله ؛ لأن الجواب الأول ، لو صح حمل آية البقرة وآية يوسف عليه ، فإنه لا يصح حمل غيرهما من الآيات عليه ؛ كقوله تعالى :﴿ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ ﴾(الحاقة:7) ، وقوله :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ ﴾(المؤمنون:17) .. والله تعالى أعلم !
الوجه الثالث : أن ( جمع القلة ) نوعان : جمع تكسير ، وجمع سالم :
أما جمع التكسير فذكر اللغويون له أربعة أوزان :( فِعْلَة ، أفْعَال ، أفعُل ، أفْعِلَة ) . وأما الجمع السالم فما كان بالألف والتاء ، والواو والنون ، أو الياء والنون .
ويشترط في دلالة هذه الجموع على القلة أن تأتي بصيغة التنكير ، ما لم يقترن بها ما يبيِّن أن المراد بها الكثرة ؛ كأن تستعمل في السياق معرَّفة بالألف واللام غير العهدية ، أو معرَّفة بالإضافة ، فحينئذ تدل على الكثرة ؛ كما تدل عليه جموع الكثرة .
مثال الجمع السالم الذي يدل على القلة قولك : مسلمون ومسلمات . فإذا قلت : المسلمون والمسلمات ، دل كل منهما على الكثرة . وهذا ما أشار إليه ابن جني ، واحتج له بقوله تعالى :﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾(الأحزاب:35) ، فالغرض في جميع ذلك الكثرة ، لا القلة .
ومثال جمع التكسير الذي يدل على القلة قولك : أصحاب ، وأبرار . فإذا أردت الكثرة قلت : الأصحاب ، والأبرار ؛ كما قال تعالى :﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (الانفطار:13) . والأبرار جمع ( بَرٍّ ) ، أو ( بارٍّ ) ؛ كـ( رب وأرباب ) ، و( صاحب وأصحاب ) ، وهم هنا : الأنبياء الصالحون ، وقيل : هم : الطائعون لله . وقيل : هم الذين بروا الآباء والأبناء . وعلى الأقوال كلها هم كثرة لا قلة ، خلافًا لمن زعم غير ذلك .
وقد نصَّ أبو حيان في البحر المحيط على أنه لا فرق في الدَّلالة بين ( النبيين ) في قوله تعالى :﴿ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ (البقرة:61) ، وهو جمع سالم ، وبين ( الأنبياء ) في قوله تعالى :﴿ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ (آل عمران:112) وهو جمع تكسير ؛  لأنَّ الجمعين – كما قال - إذا دخلت عليهما الألف واللام تساويا ، بخلاف حالهما ، إذا كانا نكرتين ؛ لأن جمع السَّلامة ؛ إذ ذاك ظاهر في القلَّة ، وجمع التْكسير على أفعلاء ظاهر في الكثرة . وهذا ما قرَّره أبو حيَّان أيضًا عند تفسير قوله تعالى :﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ (لقمان:27) ردًّا على الزمخشري الذي ذهب إلى أن ( كلمات ) جمع قلة ، فقال :« وعلى تسليم أن ( كلمات ) جمع قلة ، فجموع القلة ، إذا تعرفت بالألف واللام غير العهدية أو أضيفت ، عمَّت وصارت لا تخص القليل ، والعام مستغرق لجميع الأفراد » .. والله تعالى أعلم !
بقلم : محمد إسماعيل عتوك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق