المشــــــــــــاهدات

الأحد، ديسمبر 30، 2012

قصة طريفة بمناسبة الاختبارات

 قصة طريفة حدثت أثناء فترة الامتحانات لأحد معلمي اللغة العربية و اسمه ( بشير) فبعد انتهاء امتحان مادة البلاغة قام الأستاذ بشير بتصحيح أوراق الإجابة و كعادته ما أن يمسك الورقة حتى يبدأ بتصحيح إجابة السؤال الأول ومن ثم السؤال الثاني وهكذا ..

و في بعض الأحيان يلحظ أن بعض الطلاب يترك سؤالا أو سؤالين بدون إجابة و هو أمر معتاد إلا أن الذي أثار استغرابه ودهشته ورقة إجابة لأحد الطلاب تركها خالية ولم يجب فيها على أي سؤال ووضع بدل الإجابة القصيدة التالية التي نظمها خلال فترة الامتحان :

أبشير قل لي ما العمـــــلْ
واليأس قد غلب الأمـــــلْ

قيل امتحان بلاغــــــــــةٍ
فحسبته حـــــان الأجـــــلْ

وفزعت من صوت المرا
 قب إن تنحنح أو سعـــــلْ

وغدا يجول صفوفنــــــــا
و يصول صولات البطلْ

أبشير مهــلا يا أخــــــي
ما كل مسألة تحـــــــــلْ

فمن البلاغــــــة نافـــــعٌ
ومن البلاغــــــة ما قتل ْ

قـــــد كنت أبلد طــــالبٍ
و أنا و ربــــــــي لم أزلْ

فإذا أتتـــــك إجابتــــــــي
فيهـــــا السؤال بدون حلْ

دعها و صحح غيرهـــــا
والصفر ضعه على عجلْ

فما كان من الأستاذ بشير سوى إعطائه درجة النجاح في مادة البلاغة لأن الهدف الذي يسعى لتحقيقه من خلال تدريسه لمادة البلاغة متوفر في هذا الطالب الذي استطاع نظم هذه القصيدة الطريفة و البديعة.

حوار بين طالب ومعلم

 الطالب :

أمعلمي ماذا عسى شعري
       يبدي من المكنون في أغواري
 في داخلي قيثارة أوتارها
              شدت فأين أنامل الأفكار
 مهما أقل في ذكر فضلك انها
        بعض من القطرات من أنهار
 كيف السبيل إذا ًلصوغ مشاعري
               كهديه من شاكر محتار

المعلم :

مهلاً فلا تكثر بني ولا تزد
           يكفي فلست بطالب الإكثار
لم أسع يوماً للمديح ولم أرم
             شيئاً من الدنيا أو الدينار
أبني العقول وهذه هي متعتي
            وسعادتي في ذلك الإعمار
أنا زارع يا أيها البستان هل
        أرجو جزاء تعهدي أزهاري

الطالب :

أنا إن أكن بستان زهر ناضر
            فل اأنت سر نضارة الأزهار
أودعت في نفسي المحاسن كلها
            وسقيتها مستعذب الأمطار
وأضأت من كفيك نور بصيرني
      وشققت لي في ظلمتي إبصاري
من كان هذا صنعه فجزاؤه
             من جنسه نور على أنوار

المعلم :

أبني قد أسعدتني ولكم أنا
             جذل بذاك الحب والإكبار
واعلم بأن العلم يرفع من له
             يدعو وينشره كنهر جار
حتى الخلائق لا تمل لذكره
          ولقد تفيض عليه باستغفار
هذا طريق با بني فربما
           تختار أن تمشي على آثار

السبت، ديسمبر 29، 2012

من غزل الفقهاء - - للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى

قال لي شيخ من المشايخ المتزمتين، وقد سقط إليه عدد من الرسالة، فيه مقالة لي في الحب.
 مالك والحب، وأنت شيخ وأنت قاض، وليس يليق بالشيوخ والقضاة أن يتكلموا في الحب، أو يعرضوا للغزل؟! إنما يليق ذلك بالشعراء، وقد نزه الله نبيّه عن الشعر، وترفع العلماء وهم ورثة الأنبياء عنه، وصرح الشافعي أنه يزري بهم، ولولا ذلك كان أشعر من لبيد.

فضحكت، وقلت له:
 أما قمت مرة في السحر، فأحسست نسيم الليل الناعش، وسكونه الناطق... وجماله الفاتن، فشعرت بعاطفة لا عهد لك بمثلها، ولا طاقة لك على وصفها؟
 أما سمعت مرة في صفاء الليل نغمة عذبة، من مغنّ حاذق قد خرجت من قلبه، فهزّت منك وتر القلب، ومسّت حبّة الفؤاد؟
 أما خلوت مرة بنفسك تفكر في الماضي فتذكر أفراحه وأتراحه، وإخوانا كانوا زينة الحياة فطواهم الثرى، وعهدا كان ربيع العمر فتصرم الربيع، فوجدت فراغا في نفسك، فتلفت تفتش عن هذا الماضي الذي ذهب ولن يعود؟
 أما قرأت مرة قصة من قصص الحب، أو خبراً من أخبار البطولة فأحسست بمثل النار تمشي في أعصابك، وبمثل جناح الطير يخفق في صدرك؟
 أما رأيت في الحياة مشاهد البؤس؟ أما أبصرت في الكون روائع الجمال؟ فمن هو الذي يصور مشاعرك هذه؟ من الذي يصف لذائذك النفسية وآلامك، وبؤسك ونعماءك؟ لن يصورها اللغويون ولا الفقهاء ولا المحدثون، ولا الأطباء ولا المهندسون. كل أولئك يعيشون مع الجسد والعقل، محبوسين في معقلهما، لا يسرحون في فضاء الأحلام، ولا يوغلون في أودية القلب، ولا يلجون عالم النفس... فمن هم أهل القلوب؟

إنهم الشعراء يا سيدي، وذلك هو الشعر!

إن البشر يكدّون ويسعون، ويسيرون في صحراء الحياة، وقيد نواظرهم كواكب ثلاثة، هي هدفهم وإليها المسير، ومنها الهدي وهي السراج المنير، وهي الحقيقة والخير والجمال، وإن كوكب الجمال أزهاها وأبهاها، إن خفي صاحباه عن بعض الناس فما يخفى على أحد، وإن قصرت عن دركهما عيون فهو ملء كل عين، والجمال بعد أسّ الحقائق وأصل الفضائل، فلولا جمال الحقيقة ما طلبها العلماء، ولولا جمال الخير ما دعا إليه المصلحون. وهل ينازع في تفضيل الجمال إنسان؟ هل في الدنيا من يؤثر الدمنة المقفرة على الجنة المزهرة؟ والعجوز الشوهاء على الصبية الحسناء؟ والأسمال البالية على الحلل الغالية؟

فكيف يكون فيها من يكره الشعر (أعني الشعر الحق، الذي يجمع سمو المعنى، وموسيقى اللفظ، لا هذا الهذيان الذي نقرؤه الآن -الذي يدعونه الشعر الحديث- شعر الحدأثة أي الحدث الأكبر الذي لا يتطهر منه صاحبه إلا بالغسل)، وهو جمال القول، وفتنة الكلام؟ وهو لغة القلب فمن لم يفهمه لم يكن من ذوي القلوب. وهو صورة النفس، فمن لم يجد فيه صورته لم يكن إلا جماداً. وهو حديث الذكريات والآمال، فمن لم يذكر ماضيا، ولم يرج مستقبلا، ولم يعرف من نفسه لذة ولا ألما، فليس بإنسان.

ومن قال لك يا سيدي إن الله نزه نبيه صلى الله عليه وسلم عن الشعر لأن الشعر قبيح؟ إنما نفى عنه أن يكون شاعرا كمن عرف العرب من الشعراء ورد عليهم قولهم: "إنه شاعر" لأن الشاعر يأتيه الوحي من داخل نفسه، والنبي يجيئه من السماء، وهذا الذي لم تدركه العرب، فقالوا قولتهم التي ردها الله عليهم!

وأين وجدت حرمة الشعر، أو مذمته من حيث هو كلام جميل، يصف شعورا نبيلا؟ إنما يقبح إذا اشتمل على الباطل، كما يقبح كل كلام يشتمل عليه.
 ومن أين عرفت أن العلماء قد ترفعوا عنه، والكتب مملوءة بالجيد من أشعارهم، في الحب والغزل ووصف النساء؟

أو ما سمعت بأن النبي صلى الله عليه وسلم أصغى إلى كعب وهو يهدر في قصيدته التي يتغزل فيها بسعاد… ويصفها بما لو ألقي عليك مثله لتورّعت عن سماعه… وتصاممت عنه ، وحسبت أن التقى يمنعك منه وذهبت تلوم عليه، وتنصح بالإقلاع عن قائله!
 وما سعاد غدة البين إذ برزت : : : : كأنها منهل بالراح معلول
 هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة : : : : لا يشتكي قصر منها ولا طول

وأن عمر كان يتمثّل بما تكره أنت.. من الشعر، وأن ابن عباس كان يصغي إلى إمام الغزلين عمر بن أبي ربيعة، ويروي شعره؟ وأن الحسن البصري كان يستشهد في مجلس وعظه، بقول الشاعر:
 اليوم عندك دلها وحديثها : : : : وغدا لغيرك كفها والمعصم

وأن سعيد بن المسيب سمع مغنيا يغني:
 تضوع مسكا بطن نعمان إن مشت : : : : به زينب في نسوة خفرات
فضرب برجله وقال: هذا والله مما يلذ استماعه، ثم قال:
 وليست كأخرى أوسعت جيب درعها : : : : وأبدت بنان الكف للجمرات
 وعالت فتات المسد وخفاً مرجّلا : : : : على مثل بدر لاح في الظلمات
 وقامت تراءى يوم جمع فأفتنت : : : : برؤيتها من راح من عرفات
 فكانوا يرون هذا الشعر لسعيد بن المسيب!

وما لي أدور وأسوق لك الأخبار، وعندنا شعراء كان شعرهم أرق من النسيم إذا أسرى، وأصفى من شعاع القمر، وأعذب من ماء الوصال، وهم كانوا أئمة الدين وأعلام الهدى.

هذا عروة بن أذينة الفقيه المحدث شيخ الإمام مالك يقول:
 إن التي زعمت فؤادك ملها : : : : خلقت هواك كما خلقت هوى لها
 فبك الذي زعمت بها وكلاكما : : : : يبدي لصاحبه الصبابة كلها
 ويبيت بين جوانحي حبٌّ لها : : : : لو كان تحت فراشها لأقلها
 ولعمرها لو كان حبك فوقها : : : : يوماً وقد ضحيت إذن لأظلها
 وإذا وجدت لها وساوس سلوة : : : : شفع الفؤاد إلى الضمير فسلها
 بيضاء باكرها النعيم فصاغها : : : : بلباقة فأدقها وأجلها
 منعت تحيتها فقلت لصاحبي : : : : ما كان أكثرها لنا وأقلها!
 فدنا فقال ، لعلها معذورة : : : : من أجل رقبتها، فقلت : لعلها
 هذه الأبيات التي بلغ من إعجاب الناس بها أن أبا السائب المخزومي لما سمعها حلف أنه لا يأكل بها طعاما إلى الليل!

وهو القائل، وهذا من أروع الشعر وأحلاه، وهذا شعر شاعر لم ينطق بالشعر تقليدا، وإنما قال عن شعور، ونطق عن حب، فما يخفى كلام المحبين:
 قالت - وأبثثتها وجدي فبحت به -: : : : : قد كنت عندي تحب الستر، فاستتر
 ألست تبصر من حولي؟ فقلت لها: : : : : غطى هواك وما ألقى على بصري

هذا الشاعر الفقيه الذي أوقد الحب في قلبه نارا لا يطفئها إلا الوصال:
 إذا وجدت أوار الحب في كبدي : : : : عمدت نحو سقاء الماء أبترد
 هبني بردت ببرد الماء ظاهره : : : : فمن لحر على الأحشاء يتّقد؟!

وهذا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أحد فقهاء المدينة السبعة الذين انتهى إليهم العلم، وكان عمر بن عبد العزيز يقول في خلافته: لمجلس من عبيد الله لو كان حيا، أحب إلي من الدنيا وما فيها. وإني لأشتري ليلة من ليالي عبيدالله بألف دينار من بيت المال، فقالوا: يا أمير المؤمنين، تقول هذا مع شدة تحريك وشدة تحفظك؟ قال: أين يذهب بكم؟ والله إني لأعود برأيه ونصيحته ومشورته على بيت المال بألوف وألوف. وكان الزهري يقول: سمعت من العلم شيئا كثيرا، فظننت أني اكتفيت حتى لقيت عبيدالله فإذا كأني ليس في يدي شيء!

وهو مع ذلك الشاعر الغزل الذي يقول:
 شققت القلب ثم ذررت فيه : : : : هواك فليم فالتمام الفطور
 تغلغل حب عشمة في فؤادي : : : : فباديه مع الخافي يسير
 تغلغل حيث لم يبلغ شراب : : : : ولا حزن ولم يبلغ سرور

أفسمعت بأعمق من هذا الحب وأعلق منه بالقلب؟ ولم يكن يخفي ما في قلبه، بل كان إذا لقيه ابن المسيب فسأله: أأنت الفقيه الشاعر؟ يقول: "لا بد للمصدور من أن ينفث" فلا ينكر عليه ابن المسيب. وهو القائل:
 كتمت الهوى حتى أضر بك الكتم : : : : ولامك أقوام ولومهم ظلم
 ونمّ عليك الكاشحون و قبلهم : : : : عليك الهوى قد نم لو نفع النم
 وزادك إغراء بها طول بخلها : : : : عليك وأبلى لحم أعظمك الهم
 فأصبحت كالنهدي إذ مات حسرة : : : : على إثر هند أو كمن سقي السم
 ألا من لنفس لا تموت فينقضي : : : : شقاها ولا تحيا حياة لها طعم
 تجنبت إتيان الحبيب تأثما : : : : ألا إن هجران الحبيب هو الإثم
 فذق هجرها إن كنت تزعم أنه : : : : رشاد ألا يا ربما كذب الزعم

ألا إن هذا هو الشعر!

واسمع يا سيدي أنشدك ما يحضرني من غزل الفقهاء، لا أستقصي ولا أعمد إلى الترتيب، وإنما أروي لك ما يجيئني، وما يدنو مني مصدره. هذا أبو السعادات أسعد بن يحيى السنجاري الفقيه الشافعي المتوفى سنة 622 هـ فاسمع من شعره ما ترقص منه القلوب، وتطرب الألباب: حلاوة ألفاظ، وبراعة معنى، وحسن أسلوب، قال من قصيدة له:

وهواك ما خطر السلو بباله : : : : ولأنت أعلم في الغرام بحاله
 ومتى وشى واش إليك بأنه : : : : سال هواك فذاك من عذاله
 أوليس للكلف المعنى شاهد : : : : من حاله يغنيك عن تسآله
 جددت ثوب سقامه، وهتكت : : : : ستر غرامه، وصرمت حبل وصاله
 أفزلة سبقت له أم خلة : : : : مألوفة من تيهه ودلاله

أوما سمعت شعر الشيخ الشهرزوري الصوفي هاك منه قوله:

فعاودت قلبي أسأل الصبر وقفة : : : : عليها فلا قلبي وجدت ولا صبري
 وغابت شموس الوصل عني وأظلمت : : : : مسالكه حتى تحيرت في أمري

وهاك قول ظهير الدين الأهوازي الوزير الفقيه، تلميذ أبي أسحق الشيرازي:

وإني لأبدي في هواك تجلدا : : : : وفي القلب مني لوعة وغليل
 فلا تحسبن أني سلوت فربما : : : : ترى صحة بالمرء وهو عليل

وقول أبي القاسم القشيري الإمام الصوفي العلم:

لو كنت ساعة بيننا ما بيننا : : : : ورأيت كيف تكرر التوديعا
 لعلمت أن من الدموع محدثا : : : : وعلمت أن من الحديث دموعا

والبيت الثاني من مرقصات الشعر.

وكان مع ذلك علامة في الفقه والتفسير والحديث ومن فقهاء الشافعية الكبار، وهو صاحب الرسالة التي يعتدها الصوفية ككتاب سيبويه عند النحويين، ولا ينصرف الإطلاق إلا لها، ومن شعره:

ومن كان في طول الهوى ذاق لذة : : : : فإني من ليلى لها غير ذائق
 وأكثر شيء نلته من وصالها : : : : أماني لم تصدق كخطفة بارق

ومن شعر القاضي عبد الوهاب المالكي الفقيه المشهور المتوفى سنة 422 والمدفون في قرافة مصر، وصاحب الخبر المستفيض لما خرج من بغداد وخرج أهلها لوداعه وهم يبكون ويعولون وهو يقول: والله يا أهل بغداد، لو وجدت عندكم رغيفا كل يوم ما فارقتكم. ويقول:

سلام على بغداد في كل موطن : : : : وحق لها مني سلام مضاعف
 فوا الله ما فارقتها عن قلى لها : : : : وإني بشطي جانبيها لعارف
 ولكنها ضاقت علي بأسرها : : : : ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
 وكانت كخل كنت أهوى دنوه : : : : وأخلاقه تنأى به وتخالف

ويقول فيها:

بغداد دار لأهل المال طيبة : : : : وللمفاليس دار الضنك والضيق
 ظللت حيران أمشي في أزقتها : : : : كأنني مصحف في بيت زنديق

وهو معنى جيد وتشبيه عجيب. وهو القائل:

متى يصل العطاش إلى ارتواء : : : : إذا استقت البحار من الركايا
 ومن يثني الأصاغر عن مراد : : : : وقد جلس الأكابر في الزوايا
 وإنَّ ترفع الوضعاء يوما : : : : على الرفعاء من إحدى الرزايا
 إذا استوت الأسافل والأعالي : : : : فقد طابت منادمة المنايا

ومن غزله الذي يتغزل فيه بلغة الفقه والقضاء، فيأتي فيه بالمرقص المطرب قوله:

ونائمة قبلتها فتنبهت : : : : وقالت تعالوا واطلبوا اللص بالحد
 فقلت لها إني (فديتك) غاصب : : : : وما حكموا في غاصب بسوى الرد
 خذيها وكفي عن أثيم ظلامة : : : : وإن أنت لم ترضي فألفا على العد
 فقالت قصاص يشهد العقل أنه : : : : على كبد الجاني ألذ من الشهد
 فباتت يميني وهي هميان خصرها! : : : : وباتت يساري وهي واسطة العقد
 فقالت ألم تخبر بأنك زاهد؟ : : : : فقلت: بلى ما زلت أزهد في الزهد

وهاك القاضي الجرجاني مؤلف (الوساطة) علي بن عبد العزيز الفقيه الشافعي، الذي ذكره الشيرازي في طبقات الفقهاء صاحب الأبيات المعلمة المشهورة:

يقولون: لي فيك انقباض، وإنما : : : : رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما
 أرى الناس من داناهم هان عندهم : : : : ومن أكرمته عزة النفس أكرما
 وما كل برق لاح لي يستفزني : : : : ولا كل من لاقيت أرضاه منعما
 وإني إذا فاتني الأمر لم أبت : : : : أقلب طرفي إثره متندما
 ولكنه إن جاء عفواً قبلته : : : : وإن مال لم أتبعه لولا وربما
 وأقبض خطوي عن أمور كثيرة : : : : إذا لم أنلها وافر العرض مكرما
 وأكرم نفسي أن أضاحك عابساً : : : : وأن أتلقى بالمديح مذمما
 ولو أن أهل العلم صانوه صانهم : : : : ولو عظموه في النفوس لعَظّما
 ولكن أهانوه فهان ودنسوا : : : : محياه بالأطماع حتى تجهما
 أأشقى به غرساً وأجنيه ذلة؟ : : : : إذن فاتباع الجهل قد كان أحزما

ويا ليت كل عالم ينقش هذه الأبيات في صدر مجلسه، وعلى صفحة قلبه، ويجعلها دستوره في حياته، وإمامه في خلائقه!.

والأبيات الأخرى:

وقالوا: توصل بالخضوع إلى الغنى : : : : وما علموا أن الخضوع هو الفقر
 وبيني وبين المال شيئان حرما : : : : عليّ الغنى: نفسي الأبية والدهر
 إذا قيل هذا اليسر أبصرت دونه : : : : مواقف خير من وقوفي بها العسر

وله في هذا المعنى الشعر الكثير الجيد، أما غزله فسهل حلو ومنه قوله:

ما لي وما لك يا فراق : : : : أبداً رحيل وانطلاق
 يا نفس موتي بعدهم : : : : فكذا يكون الاشتياق

وقوله:

قد برح الحب بمشتاقك : : : : فأَوْلِهِ أحسن أخلاقك
 لا تجفه وارع له حقه : : : : فإنه آخر عشاقك

وهاك القاضي سوار (الأصغر) بن عبد الله من أهل القرن الثالث الذي يقول:

سلبت عظامي لحمها فتركتها : : : : عوارى في أجلادها تتكسر
 وأخليت منها مخّها فكأنها : : : : أنابيب في أجوافها الريح تصفر
 إذا سمعت باسم الفراق ترعّدت : : : : مفاصلها من هول ما تتحذر
 ! خذي بيدي ثم اكشفي الثوب فانظري : : : : بلى جسدي لكنني أتستر
 وليس الذي يجري من العين ماءها : : : : ولكنها روح تذوب فتقطر

وهاك قاضي القضاة ابن خلكان المشهور، وكان يعشق ابن الملك المسعود بن المظفر، وكان قد تيمه حبه، قال القاضي التبريزي: كنت عنده في العادلية (دار المجمع العلمي اليوم) في بعض الليالي، فلما انصرف الناس من عنده قال لي: نم أنت ههنا. وألقى علي فروة، وقام يدور حول البركة، ويكرر هذين البيتين إلى أن أصبحنا فتوضأنا وصلينا، والبيتان هما:

أنا والله هالك : : : : آيس من سلامتي
 أو أرى القامة التي : : : : قد أقامت قيامتي

ولما فشا أمره، منع الملك ابنه من الركوب، فاشتد ذلك على ابن خلكان، فكان مما قال:

إن لم تجودوا بالوصال تعطفاً : : : : ورأيتم هجري وفرط تجنبي
 لا تمنعوا عيني القريحة أن ترى : : : : يوم الخميس جمالكم في الموكب
 لو كنت تعلم يا حبيبي ما الذي : : : : ألقاه من كمد إذا لم تركب
 لرحمتني ورثيت لي من حالة : : : : لولاك لم يك حملها من مذهبي
 ومن البلية والرزية أنني : : : : أقضي ولا تدري الذي قد حل بي*
قسماً بوجهك وهو بدر طالع : : : : وبليل طرَّتك التي كالغيهب
 لو لم أكن في رتبة أرعى لها : : : : العهد القديم صيانة للمنصب
 لهتكت ستري في هواك ولذ لي : : : : خلع العذار ولو ألح مؤنبي
 لكن خشيت بأن يقول عواذلي : : : : قد جن هذا الشيخ في هذا الصبي

((*بل البلية والله أن يكون قاضيا ويعشق الغلمان، هذا مع الثقة بدينه، وأنه لا يطلب حراما ولا يأتيه مختارا -غفر له الله))

فارحم فديتك حرقة قد قاربت : : : : كشف القناع بحق ذِيَّاك النبي
 لا تفضحن بحبك الصبَّ الذي : : : : جرعته في الحب أكدر مشرب

وله فيه شعر كثير جدا.

ومن شعر محمد بن داوود الظاهري، مؤلف كتاب (الزهرة) في الحب، وكان فقيها على مذهب أبيه داوود وكان شاعرا:

أنزه في روض المحاسن مقلتي : : : : وأمنع نفسي أن تنال محرما
 وأحمد من ثقل الهوى ما لو أنه : : : : يصب على الصخر الأصم تهدما

ومن شعر أبي الفضل الحصكفي الفقيه الشافعي:

أشكو إلى الله من نارين: واحدة : : : : في وجنتيه وأخرى منه في كبدي
 ومن سقامين: سقم قد أحل دمي : : : : من الجفون وسقم حل في جسدي
 ومن نمومين: دمعي حين أذكره : : : : يذيع سري وواش منه بالرصد
 ومن ضعيفين: صبري حين أبصره : : : : ووده ويراه الناس طوع يدي

ولو ابتغيت الاستقصاء، وتتبعت المراجع، لجمعت من غزل الفقهاء كتابا، فأين هذا مما يزعمون أن الفقهاء كرهوا الشعر، وتنزهوا عنه؟
 أما إنها لم تفل ألسنة علمائنا، ولم تكل أقلامهم، ولم تخفت أصواتهم، إلا حين أضاعوا ملكة البيان، وزهدوا في الأدب، وحقروا الشعر... فهل لعلمائنا عودة إلى ما هم أخلق به، وأدنى إليه، وأقدر لو أرادوه عليه؟! مع الديانة والصيانة وأنهم (يقولون ما لا يفعلون) وما لا يدفع إلى ما يأباه الدين.

**************************
انتهى 

من طرائف أبي علقمة النحوي

كان أبو علقمة النحوي لغويا معروفاً بالتقعّر في الحديث واستخدام المفردات الغريبة التي لا يكاد يفهمها أحد، وقد حكى ابن جنّي: أنّ أبا علقمة مرّ يوماً على عبدين حبشي وصقلبي (من صقلية)، فإذا الحبشي قد ضرب بالصقلبي الأرض، فأدخل ركبتيه في بطنه وأصابعه في عينيه وعضّ أذنيه وضربه بعصا فشجّه وأسال دمه، فقال الصقلبي لأبي علقمة :اشهد لي، فمضوا إلى الأمير، فقال له الأمير، بمَ تشهد؟
فقال أبو علقمة: أصلح الله الأمير، بينا أنا أسير على كودني، إذ مررت بهذين العبدين، فرأيت هذا الأسحم قد مال على هذا الأبقع، فمطأهُ عل فدفدٍ، ثم ضغطه برضفتيه في أحشائه، حتى ظننتُ أنّه تدعّج جوفه، وجعل يلج بشناترهِ في حجمتيه يكاد يفقؤهما، وقبض على صنارتيه بمبرمهِ، وكاد يجذّهما جذّاً، ثم علاه بمنسأةٍ كانت معه فعفجه بها، وهذا أثر الجريال عليه بيّناً.

فقال الأمير: والله ما فهمت ممّا قلت شيئاً، فقال أبو علقمة: قد فهّمناك إن فهمت، وأعلمناك إن علمت، وأدّيت إليك ما علمت، وما أقدر أن أتكلم بالفارسية.
فحاول الأمير أن يفهم كلامه حتى ضاق صدره، ثم كشف الأمير رأسه، وقال للصقلبي: شجنى (اضربني) خمساً واعفني من شهادة هذا!

المقــــامــــة الحلوانيــــــة -- للحريري

ﺣﻜﻰ ﺍﻟﺤﺎﺭﺙ ﺑﻦ ﻫﻤﺎﻡ ﻗﺎﻝ: ﻛﻠﻔﺖ ﻣﺬ ﻣﻴﻄﺖ ﻋﻨﻲ ﺍﻟﺘﻤﺎﺋﻢ. ﻭﻧﻴﻄﺖ ﺑﻲ ﺍﻟﻌﻤﺎﺋﻢ. ﺑﺄﻥ ﺃﻏﺸﻰ ﻣﻌﺎﻥ ﺍﻷﺩﺏ. ﻭﺃﻧﻀﻲ ﺇﻟﻴﻪ ﺭﻛﺎﺏ ﺍﻟﻄﻠﺐ. ﻷﻋﻠﻖ ﻣﻨﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻲ ﺯﻳﻨﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻧﺎﻡ. ﻭﻣﺰﻧﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﻷﻭﺍﻡ. ﻭﻛﻨﺖ ﻟﻔﺮﻁ ﺍﻟﻠﻬﺞ ﺑﺎﻗﺘﺒﺎﺳﻪ. ﻭﺍﻟﻄﻤﻊ ﻓﻲ ﺗﻘﻤﺺ ﻟﺒﺎﺳﻪ. ﺃﺑﺎﺣﺚ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺟﻞ ﻭﻗﻞ. ﻭﺃﺳﺘﺴﻘﻲ ﺍﻟﻮﺑﻞ ﻭﺍﻟﻄﻞ. ﻭﺃﺗﻌﻠﻞ ﺑﻌﺴﻰ ﻭﻟﻌﻞ. ﻓﻠﻤﺎ ﺣﻠﻠﺖ ﺣﻠﻮﺍﻥ. ﻭﻗﺪ ﺑﻠﻮﺕ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ. ﻭﺳﺒﺮﺕ ﺍﻷﻭﺯﺍﻥ. ﻭﺧﺒﺮﺕ ﻣﺎ ﺷﺎﻥ ﻭﺯﺍﻥ. ﺃﻟﻔﻴﺖ ﺑﻬﺎ ﺃﺑﺎ ﺯﻳﺪ ﺍﻟﺴﺮﻭﺟﻲ ﻳﺘﻘﻠﺐ ﻓﻲ ﻗﻮﺍﻟﺐ ﺍﻻﻧﺘﺴﺎﺏ. ﻭﻳﺨﺒﻂ ﻓﻲ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻻﻛﺘﺴﺎﺏ. ﻓﻴﺪﻋﻲ ﺗﺎﺭﺓ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﺁﻝ ﺳﺎﺳﺎﻥ. ﻭﻳﻌﺘﺰﻱ ﻣﺮﺓ ﺍﻟﻰ ﺃﻗﻴﺎﻝ ﻏﺴﺎﻥ. ﻭﻳﺒﺮﺯ ﻃﻮﺭﺍ ﻓﻲ ﺷﻌﺎﺭ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ. ﻭﻳﻠﺒﺲ ﺣﻴﻨﺎ ﻛﺒﺮ ﺍﻟﻜﺒﺮﺍﺀ. ﺑﻴﺪ ﺃﻧﻪ ﻣﻊ ﺗﻠﻮﻥ ﺣﺎﻟﻪ. ﻭﺗﺒﻴﻦ ﻣﺤﺎﻟﻪ. ﻳﺘﺤﻠﻰ ﺑﺮﻭﺍﺀ ﻭﺭﻭﺍﻳﺔ. ﻭﻣﺪﺭﺍﺓ ﻭﺩﺭﺍﻳﺔ. ﻭﺑﻼﻏﺔ ﺭﺍﺋﻌﺔ. ﻭﺑﺪﻳﻬﺔ ﻣﻄﺎﻭﻋﺔ. ﻭﺁﺩﺍﺏ ﺑﺎﺭﻋﺔ. ﻭﻗﺪﻡ ﻷﻋﻼﻡ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻓﺎﺭﻋﺔ. ﻓﻜﺎﻥ ﻟﻤﺤﺎﺳﻦ ﺁﻻﺗﻪ. ﻳﻠﺒﺲ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﺗﻪ. ﻭﻟﺴﻌﺔ ﺭﻭﺍﻳﺘﻪ. ﻳﺼﺒﻰ ﺍﻟﻰ ﺭﺅﻳﺘﻪ. ﻭﻟﺨﻼﺑﺔ ﻋﺎﺭﺿﺘﻪ. ﻳﺮﻏﺐ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﺭﺿﺘﻪ. ﻭﻟﻌﺬﻭﺑﺔ ﺇﻳﺮﺍﺩﻩ. ﻳﺴﻌﻒ ﺑﻤﺮﺍﺩﻩ. ﻓﺘﻌﻠﻘﺖ ﺑﺄﻫﺪﺍﺑﻪ. ﻟﺨﺼﺎﺋﺺ ﺁﺩﺍﺑﻪ. ﻭﻧﺎﻓﺴﺖ ﻓﻲ ﻣﺼﺎﻓﺎﺗﻪ. ﻟﻨﻔﺎﺋﺲ ﺻﻔﺎﺗﻪ. ﻓﻜﻨﺖ ﺑﻪ ﺃﺟﻠﻮ ﻫﻤﻮﻣﻲ ﻭﺃﺟﺘﻠـﻲ ﺯﻣﺎﻧﻲ ﻃﻠﻖ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻣﻠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻀﻴﺎ ﺃﺭﻯ ﻗﺮﺑﻪ ﻗﺮﺑﻰ ﻭﻣﻐﻨﺎﻩ ﻏﻨـﻴﺔ ﻭﺭﺅﻳﺘﻪ ﺭﻳﺎ ﻭﻣﺤﻴﺎﻩ ﻟـﻲ ﺣـﻴﺎ ﻭﻟﺒﺜﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺑﺮﻫﺔ. ﻳﻨﺸﺊ ﻟﻲ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﻧﺰﻫﺔ. ﻭﻳﺪﺭﺃ ﻋﻦ ﻗﻠﺒﻲ ﺷﺒﻬﺔ. ﺍﻟﻰ ﺃﻥ ﺟﺪﺣﺖ ﻟﻪ ﻳﺪ ﺍﻹﻣﻼﻕ. ﻛﺄﺱ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ. ﻭﺃﻏﺮﺍﻩ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ. ﺑﺘﻄﻠﻴﻖ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ. ﻭﻟﻔﻈﺘﻪ ﻣﻌﺎﻭﺯ ﺍﻹﺭﻓﺎﻕ. ﺍﻟﻰ ﻣﻔﺎﻭﺯ ﺍﻵﻓﺎﻕ. ﻭﻧﻈﻤﻪ ﻓﻲ ﺳﻠﻚ ﺍﻟﺮﻓﺎﻕ. ﺧﻔﻮﻕ ﺭﺍﻳﺔ ﺍﻹﺧﻔﺎﻕ. ﻓﺸﺤﺬ ﻟﻠﺮﺣﻠﺔ ﻏﺮﺍﺭ ﻋﺰﻣﺘﻪ. ﻭﻇﻌﻦ ﻳﻘﺘﺎﺩ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺑﺄﺯﻣﺘﻪ. ﻓﻤﺎ ﺭﺍﻗﻨﻲ ﻣﻦ ﻻﻗﻨﻲ ﺑﻌﺪ ﺑﻌﺪﻩ ﻭﻻ ﺷﺎﻗﻨﻲ ﻣﻦ ﺳﺎﻗﻨﻲ ﻟﻮﺻﺎﻟﻪ ﻭﻻ ﻻﺡ ﻟﻲ ﻣﺬ ﻧﺪ ﻧﺪ ﻟﻔﻀﻠـﻪ ﻭﻻ ﺫﻭ ﺧﻼﻝ ﺣﺎﺯ ﻣﺜﻞ ﺧﻼﻟﻪ ﻭﺍﺳﺘﺴﺮ ﻋﻨﻲ ﺣﻴﻨﺎ. ﻻ ﺃﻋﺮﻑ ﻟﻪ ﻋﺮﻳﻨﺎ. ﻭﻻ ﺃﺟﺪ ﻋﻨﻪ ﻣﺒﻴﻨﺎ. ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺑﺖ ﻣﻦ ﻏﺮﺑﺘﻲ. ﺍﻟﻰ ﻣﻨﺒﺖ ﺷﻌﺒﺘﻲ. ﺣﻀﺮﺕ ﺩﺍﺭ ﻛﺘﺒﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺍﻟﻤﺘﺄﺩﺑﻴﻦ. ﻭﻣﻠﺘﻘﻰ ﺍﻟﻘﺎﻃﻨﻴﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﻭﺍﻟﻤﺘﻐﺮﺑﻴﻦ. ﻓﺪﺧﻞ ﺫﻭ ﻟﺤﻴﺔ ﻛﺜﺔ. ﻭﻫﻴﺌﺔ ﺭﺛﺔ. ﻓﺴﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻼﺱ. ﻭﺟﻠﺲ ﻓﻲ ﺃﺧﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻨﺎﺱ. ﺛﻢ ﺃﺧﺬ ﻳﺒﺪﻱ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻭﻃﺎﺑﻪ. ﻭﻳﻌﺠﺐ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ ﺑﻔﺼﻞ ﺧﻄﺎﺑﻪ. ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻤﻦ ﻳﻠﻴﻪ: ﻣﺎ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻨﻈﺮ ﻓﻴﻪ? ﻓﻘﺎﻝ: ﺩﻳﻮﺍﻥ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﺎﺩﺓ. ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺩ ﻟﻪ ﺑﺎﻹﺟﺎﺩﺓ. ﻓﻘﺎﻝ: ﻫﻞ ﻋﺜﺮﺕ ﻟﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻟﻤﺤﺘﻪ. ﻋﻠﻰ ﺑﺪﻳﻊ ﺍﺳﺘﻤﻠﺤﺘﻪ? ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ ﻗﻮﻟﻪ: ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﺒﺴﻢ ﻋﻦ ﻟﺆﻟـﺆ ﻣﻨﻀﺪ ﺃﻭ ﺑﺮﺩ ﺃﻭ ﺃﻗﺎﺡ ﻓﺈﻧﻪ ﺃﺑﺪﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺸﺒﻴﻪ. ﺍﻟﻤﻮﺩﻉ ﻓﻴﻪ. ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﻳﺎ ﻟﻠﻌﺠﺐ. ﻭﻟﻀﻴﻌﺔ ﺍﻷﺩﺏ! ﻟﻘﺪ ﺍﺳﺘﺴﻤﻨﺖ ﻳﺎ ﻫﺬﺍ ﺫﺍ ﻭﺭﻡ. ﻭﻧﻔﺨﺖ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﺿﺮﻡ! ﺃﻳﻦ ﺃﻧﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﻨﺪﺭ. ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﻣﺸﺒﻬﺎﺕ ﺍﻟﺜﻐﺮ? ﻭﺃﻧﺸﺪ: ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻔﺪﺍﺀ ﻟﺜﻐﺮ ﺭﺍﻕ ﻣﺒﺴﻤـﻪ ﻭﺯﺍﻧﻪ ﺷﻨﺐ ﻧﺎﻫﻴﻚ ﻣﻦ ﺷـﻨـﺐ ﻳﻔﺘﺮ ﻋﻦ ﻟﺆﻟﺆ ﺭﻃﺐ ﻭﻋﻦ ﺑـﺮﺩ ﻭﻋﻦ ﺃﻗﺎﺡ ﻭﻋﻦ ﻃﻠﻊ ﻭﻋﻦ ﺣﺒﺐ ﻓﺎﺳﺘﺠﺎﺩﻩ ﻣﻦ ﺣﻀﺮ ﻭﺍﺳﺘﺤﻼﻩ. ﻭﺍﺳﺘﻌﺎﺩﻩ ﻣﻨﻪ ﻭﺍﺳﺘﻤﻼﻩ. ﻭﺳﺌﻞ: ﻟﻤﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻴﺖ. ﻭﻫﻞ ﺣﻲ ﻗﺎﺋﻠﻪ ﺃﻭ ﻣﻴﺖ? ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﻳﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻠﺤﻖ ﺃﺣﻖ ﺃﻥ ﻳﺘﺒﻊ. ﻭﻟﻠﺼﺪﻕ ﺣﻘﻴﻖ ﺑﺄﻥ ﻳﺴﺘﻤﻊ! ﺇﻧﻪ ﻳﺎ ﻗﻮﻡ. ﻟﻨﺠﻴﻜﻢ ﻣﺬ ﺍﻟﻴﻮﻡ. ﻗﺎﻝ: ﻓﻜﺄﻥ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﺭﺗﺎﺑﺖ ﺑﻌﺰﻭﺗﻪ. ﻭﺃﺑﺖ ﺗﺼﺪﻳﻖ ﺩﻋﻮﺗﻪ. ﻓﺘﻮﺟﺲ ﻣﺎ ﻫﺠﺲ ﻓﻲ ﺃﻓﻜﺎﺭﻫﻢ. ﻭﻓﻄﻦ ﻟﻤﺎ ﺑﻄﻦ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﻨﻜﺎﺭﻫﻢ. ﻭﺣﺎﺫﺭ ﺃﻥ ﻳﻔﺮﻁ ﺇﻟﻴﻪ ﺫﻡ. ﺃﻭ ﻳﻠﺤﻘﻪ ﻭﺻﻢ. ﻓﻘﺮﺃ: ﺇﻥ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻈﻦ ﺇﺛﻢ. ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﺭﻭﺍﺓ ﺍﻟﻘﺮﻳﺾ. ﻭﺃﺳﺎﺓ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺮﻳﺾ. ﺇﻥ ﺧﻼﺻﺔ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮ ﺗﻈﻬﺮ ﺑﺎﻟﺴﺒﻚ. ﻭﻳﺪ ﺍﻟﺤﻖ ﺗﺼﺪﻉ ﺭﺩﺍﺀ ﺍﻟﺸﻚ. ﻭﻗﺪ ﻗﻴﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﻏﺒﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ: ﻋﻨﺪ ﺍﻻﻣﺘﺤﺎﻥ. ﻳﻜﺮﻡ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺃﻭ ﻳﻬﺎﻥ. ﻭﻫﺎ ﺃﻧﺎ ﻗﺪ ﻋﺮﺿﺖ ﺧﺒﻴﺌﺘﻲ ﻟﻼﺧﺘﺒﺎﺭ. ﻭﻋﺮﺿﺖ ﺣﻘﻴﺒﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ. ﻓﺎﺑﺘﺪﺭ. ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺣﻀﺮ. ﻭﻗﺎﻝ: ﺃﻋﺮﻑ ﺑﻴﺘﺎ ﻟﻢ ﻳﻨﺴﺞ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻮﺍﻟﻪ. ﻭﻻ ﺳﻤﺤﺖ ﻗﺮﻳﺤﺔ ﺑﻤﺜﺎﻟﻪ. ﻓﺈﻥ ﺁﺛﺮﺕ ﺍﺧﺘﻼﺏ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ. ﻓﺎﻧﻈﻢ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺳﻠﻮﺏ. ﻭﺃﻧﺸﺪ: ﻓﺄﻣﻄﺮﺕ ﻟﺆﻟﺆﺍ ﻣﻦ ﻧﺮﺟﺲ ﻭﺳﻘﺖ ﻭﺭﺩﺍ ﻭﻋﻀﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻨﺎﺏ ﺑﺎﻟﺒﺮﺩ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﺇﻻ ﻛﻠﻤﺢ ﺍﻟﺒﺼﺮ ﺃﻭ ﻫﻮ ﺃﻗﺮﺏ. ﺣﺘﻰ ﺃﻧﺸﺪ ﻓﺄﻏﺮﺏ: ﺳﺄﻟﺘﻬﺎ ﺣﻴﻦ ﺯﺍﺭﺕ ﻧﻀﻮ ﺑﺮﻗﻌﻬﺎ ﺍﻝ ﻗﺎﻧﻲ ﻭﺃﻳﺪﺍﻉ ﺳﻤﻌﻲ ﺃﻃﻴﺐ ﺍﻟﺨﺒـﺮ ﻓﺰﺣﺰﺣﺖ ﺷﻔﻘﺎ ﻏﺸﻰ ﺳﻨﺎ ﻗـﻤـﺮ ﻭﺳﺎﻗﻄﺖ ﻟﺆﻟﺆﺍ ﻣﻦ ﺧﺎﺗﻢ ﻋﻄـﺮ ﻓﺤﺎﺭ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﻭﻥ ﻟﺒﺪﺍﻫﺘﻪ. ﻭﺍﻋﺘﺮﻓﻮﺍ ﺑﻨﺰﺍﻫﺘﻪ. ﻓﻠﻤﺎ ﺁﻧﺲ ﺍﺳﺘﺌﻨﺎﺳﻬﻢ ﺑﻜﻼﻣﻪ. ﻭﺍﻧﺼﺒﺎﺑﻬﻢ ﺍﻟﻰ ﺷﻌﺐ ﺇﻛﺮﺍﻣﻪ. ﺃﻃﺮﻕ ﻛﻄﺮﻓﺔ ﺍﻟﻌﻴﻦ. ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻭﺩﻭﻧﻜﻢ ﺑﻴﺘﻴﻦ ﺁﺧﺮﻳﻦ. ﻭﺃﻧﺸﺪ: ﻭﺃﻗﺒﻠﺖ ﻳﻮﻣﺠﺪ ﺍﻟﺒﻴﻦ ﻓﻲ ﺣﻠـﻞ ﺳﻮﺩ ﺗﻌﺾ ﺑﻨﺎﻥ ﺍﻟﻨﺎﺩﻡ ﺍﻟﺤﺼﺮ ﻓﻼﺡ ﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺻﺒﺢ ﺃﻗﻠﻬـﻤـﺎ ﻏﺼﻦ ﻭﺿﺮﺳﺖ ﺍﻟﺒﻠﻮﺭ ﺑﺎﻟﺪﺭﺭ ﻓﺤﻴﻨﺌﺬ ﺍﺳﺘﺴﻨﻰ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﻗﻴﻤﺘﻪ. ﻭﺍﺳﺘﻐﺰﺭﻭﺍ ﺩﻳﻤﺘﻪ. ﻭﺃﺟﻤﻠﻮﺍ ﻋﺸﺮﺗﻪ. ﻭﺟﻤﻠﻮﺍ ﻗﺸﺮﺗﻪ. ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻤﺨﺒﺮ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺔ: ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﺗﻠﻬﺐ ﺟﺬﻭﺗﻪ. ﻭﺗﺄﻟﻖ ﺟﻠﻮﺗﻪ. ﺃﻣﻌﻨﺖ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺗﻮﺳﻤﻪ. ﻭﺳﺮﺣﺖ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﻓﻲ ﻣﻴﺴﻤﻪ. ﻓﺈﺫﺍ ﻫﻮ ﺷﻴﺨﻨﺎ ﺍﻟﺴﺮﻭﺟﻲ. ﻭﻗﺪ ﺃﻗﻤﺮ ﻟﻴﻠﻪ ﺍﻟﺪﺟﻮﺟﻲ. ﻓﻬﻨﺄﺕ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻤﻮﺭﺩﻩ. ﻭﺍﺑﺘﺪﺭﺕ ﺍﺳﺘﻼﻡ ﻳﺪﻩ. ﻭﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺣﺎﻝ ﺻﻔﺘﻚ. ﺣﺘﻰ ﺟﻬﻠﺖ ﻣﻌﺮﻓﺘﻚ? ﻭﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﺷﻴﺐ ﻟﺤﻴﺘﻚ. ﺣﺘﻰ ﺃﻧﻜﺮﺕ ﺣﻠﻴﺘﻚ? ﻓﺄﻧﺸﺄ ﻳﻘﻮﻝ: ﻭﻗﻊ ﺍﻟﺸﻮﺍﺋﺐ ﺷـﻴﺐ ﻭﺍﻟﺪﻫﺮ ﺑﺎﻟﻨﺎﺱ ﻗﻠـﺐ ﺇﻥ ﺩﺍﻥ ﻳﻮﻣﺎ ﻟﺸﺨـﺺ ﻓﻔﻲ ﻏﺪ ﻳﺘـﻐـﻠـﺐ ﻓﻼ ﺗﺜـﻖ ﺑـﻮﻣـﻴﺾ ﻣﻦ ﺑﺮﻗﻪ ﻓﻬﻮ ﺧﻠـﺐ ﻭﺍﺻﺒﺮ ﺇﺫﺍ ﻫﻮ ﺃﺿﺮﻯ ﺑﻚ ﺍﻟﺨﻄﻮﺏ ﻭﺃﻟـﺐ ﻓﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺒﺮ ﻋـﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺣﻴﻦ ﻳﻘﻠـﺐ ﺛﻢ ﻧﻬﺾ ﻣﻔﺎﺭﻗﺎ ﻣﻮﺿﻌﻪ. ﻭﻣﺴﺘﺼﺤﺒﺎ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻣﻌﻪ.

ثلاث صور -- محمود درويش

-1-

كان القمر

كعهده - منذ ولدنا - باردا

الحزن في جبينه مرقرق ...

روافدا ...روافدا

قرب سياج قرية

خر حزينا

شاردا ...

-2-

كان حبيبي

كعهده- منذ التقينا- ساهما

الغيم في عيونه

يزرع أفقا غائما...

و النار في شفاهه

تقول لي ملاحما...

و لم يزل في ليله يقرأ شعرا حالما

يسألني هديه ...

و بيت شعر . ناعما !

-3-

كان أبي

كعهده ، محملا متاعبا

يطارد الرغيف أينما مضى...

لأجله ... يصارع الثعالبا

و يصنع الأطفال ...

و التراب...

و الكواكبا ...

أخي الصغير اهترأت

ثيابه ... فعاتبا

و أختي الكبرى اشترت جواربا !

و كل من في بيتنا يقدم المطالبا

ووالدي - كعهده -

يسترجع المناقبا

و يفتل الشواربا !

و يصنع الأطفال ...

و التراب ...

و الكواكبا !

الأعرابي والمؤذن

يُروى أنّ أعرابيّا سمع مؤذناً يقول : " أشهد أن محمداً رسولَ الله " ، بنَصْب كلمة "رسول" .
فقال الأعرابي : " وَيْحَك ! فَعَلَ ماذا ؟ ".
 [ يعني : أنه يتوقع منه إتمام الجملة ؛ بأن يقول : " أشهد أن محمداً رسولَ الله فعَلَ كذا وكذا " . وذلك لأن نَصْبَ "رسول" يجعل المعنى ناقصاً ؛ إذْ تصبح "رسول" نعتاً لاسم محمد (صلى الله عليه وسلم) ، وتبقى "أنَّ" بلا خبر ] . 

مال الله ومال الشيطان

ولى يوسف بن عمر أعرابيا على عمل له فأصاب عليه خيانة فعزله عن العمل ، فلما قدم عليه قال له : يا عدو الله أكلت مال الله؟ فقال الأعرابي : فمال من آكل إذا لم آكل مال الله ؟ لقد راودت إبليس على أن يعطيني فلسا واحدا فما فعل .

هذه ليست عطية الملوك

كان أشعب وهو صغير يلعب في الطريق ، فمر به والي الحجاز سائرًا في الطريق ، فسأله : هل تعرف القراءة يا غلام ؟
قال : نعم.
قال : قل شيئًا .
قال : (إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا) ، فتفاءل الأمير من هذا الجواب ، وسُرَّ به ، فأعطاه دينارًا. فرفض أشعب أن يأخذ الدينار. فسأله الأمير : عن ذلك ، فقال أشعب : أخاف أن يضربني أبي ، فقال الأمير : قل له أن الأمير أعطاني الدينار.
فقال أشعب : إنه لن يصدقني.
فقال الأمير : ولِمَ ؟ فسكت لحظة ، ثم قال : سيقول هذه ليست عطية الملوك.

يا رب صل على النبي المجتبى


قال الشاعر ( عبد الرحيم بن احمد البرعي المتوفى سنة 830 هـ ) :

يا رب صل على النبي المجتبى
         ما غردت في الأيك ساجعة الربا

يا رب صل على النبي وآله
      ما اهتزت الأثلاث من نفس الصبا

يا رب صل على النبي وآله
         ما لاح برق في الأباطح أو خبا

يا رب صل على النبي وآله
             ما أمت الزوار نحوه يثربا

يا رب صل على النبي وآله
          ما قال ذو كرم لضيف مرحبا

يا رب صل على النبي وآله
         ما كوكب في الجو قابل كوكبا

يا رب صل على الذي أدنيته
        من قاب قوسين الجناب الأقربا

بالله يا متـــلــذذين بذكره
         صلوا عليه فـــما أحق وأوجبا

صلوا على المختار فهو شفيعكم
          في يوم يبعث كل طفل أشيبا

صلوا على من ظللته غمامة
       والجذع حن له وأفصحت الظبا

صلوا على من تدخلون بجاهه
          دار السلام وتبلغون المطلبا

صلوا عليه وسلموا وترحموا
     وردوا به حوض الكرامة مشربا

صلى وسلم ذو الجلال عليك يا
          من نور طلعته يشق الغيهبا

صلى وسلم ذو الجلال عليك ما
        أحلاك ذكراً في القلوب وأعذبا

صلى وسلم ذو الجلال عليك ما
              أوفاك للمتذممين وأحسبا

صلى وسلم ذو الجلال عليك ما
         أزكاك في الرسل الكرام وأطيبا

* اللهم صلي وسلم عليه وعلى وخلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي على آله وصحبه أجمعين والتابعين.

أقصــــــر خطبــــة جمعـــــة

 روى الأصمعي أنه شهد الجمعة في إحدى البلاد وكان أميرها رجل من الأعراب , فلما حانت الصلاة خرج الأمير وخطب ، وقدلف ثيابه على رأسه وبيده قوس ، فقـال : " الحمد للـــه رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، وصلى اللـــه على سيدنا محمد خاتم النبيين ، أما بعد : فإن الدنيا دار بلاء ، والآخرة دار قرار ، فخذوا من ممركم لمقركم ، ولاتهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم ، واخرجوا من الدنيا إلى ربكم ، قبل أن يخرج منها ابدانكم ، ففيها جئتم ولغيرها خلقتم.
أقول قولي هذا ، واستغفر اللـــه لي ولكم ، والمدعوٌ له الخليفة . قوموا إلى صلاتكم".

دعاء الحجاج عند الموت

روي أن الحجاج كان يدعو حين حضرته الوفاة فيقول : " اللهم اغفر لي ، فإن الناس يزعمون أنك لا تغفر " وكان يرد :

يا ربّ قد حلفَ الأعداءُ واجتهدوا
                     بأنني رجل من ساكني النارِ
أيَحْلِفون على عمياءَ وَيْحَهُم
                   ما علمهم بعظيمِ العفو غفّار
إن الموالي إذا شابت عبيدهمُ
                  في رِقّهم عتقوهم عتق أبرار
وأنت يا خالقي أولى بذا كرمًا
         قد شِبْتُ في الرّق فاعتقني من النار

طلق خمس نساء في يوم واحد

 كان لرجل أربع نسوة ، فدخل عليهن يومًا ، فوجدهن متلاحيات متنازعات. فقال لإحداهن : إلى متى هذا التنازع ماأخال هذا الأمر إلا منك ، اذهبي فأنتِ طالق.
فقالت صاحبتها : عجّلت عليها بالطلاق ، لو أدّبتها بغير ذلك لكنت حقيقًا.
فقال لها : وأنتِ طالق أيضًا.
فقالت الثالثة : قبحك الله ، والله لقد كانتا إليك محسنتين.
فقال : وأنتِ طالق أيضًا.
فقالت الرابعة : لقد ضاق صدرك عن أن تؤدب نساءك إلا بالطلاق.
فقال لها : وأنتِ أيضًا طالق.
وكان بمسمع من جارة لها ، فأشرفت عليه وقالت : والله ما شهدت العرب عليك ، وعلى قومك بالضعف إلا لما بلغهم منكم.
 فقال : وأنتِ أيضًا طالق إن أجاز زوجك ، فأجابه زوجها من داخل البيت : قد أجزت ، قد أجزت.
فقيل : إن هذا الرجل طلق خمس نسوة في يوم واحد.

حديث مزود أخي سماح

قال الأصمعي : كنت يومًا عند هارون الرشيد ، فقُدِّمتْ إليه فالوذجة فقال : يا أصمعي ، قلت : لبيك يا أمير المؤمنين ، قال : حدثني بحديث مزود أخي سماح ، قلت : نعم يا أمير المؤمنين ، إن مزودًا كان رجلاً جشعًا نهمًا ، وكانت أمه تؤثره على عيالها ، وكان ذلك يضر به وبحفظه ، فذهبت يومًا في بعض حقوق أهلها وخلفت مزودًا في بيتها ورحلها ، فدخل الخيمة ، فأخذ صاعين من دقيق وصاعًا من عجوة وصاعًا من سمن ، فضرب بعضه ببعض فأكله ثم أنشأ يقول:

ولمّا مضت أمّي تزور عيالها
أغَرْتُ على العكم الذي كان تمنعُ
خلطت بصاعَيْ حنطة صاعَ عجوة
إلى صاعِ سمن فوقه يتربعُ
وذيلت أمثال الأثافي كأنها
رؤوس رجال قطعت لا تجمعُ
وقلت لبطني أبشري اليوم إنّه
حمىً آمنٌ مما تفيد وتجمعُ
فإن كنتَ مَصْفورًا فهذا دواؤه
وإن كنت غرثانًا فذا يوم تشبعُ

قال : فاستضحك هارون حتى أمسك واستلقى على ظهره ثم قعد فمد يده وقال : خذ فذا يوم تشبع يا أصمعي.

الـمِـــــــــــــرْآة - شعر عيسى جرابا

تُبْدِي لِيَ الـمِرْآةُ… مَا أَخْشَاهُ
... هَذَا أَنَا…؟! رُحْمَاكَ… يَا اللهُ!

فِي غَفْلَةٍ… عَبَرَ الزَّمَانُ مُسَافِراً
مِنْ أَرْبَعِيْـنَ… وَمَا تَزَالُ خُطَاهُ

فَتَّشْتُ عَنِّي… لَمْ يَعُدْ مِنِّي سِوَى
ذِكْرَى تَئِنُّ… فَتَسْتَفِيْقُ الآهُ

الرَّوْضَةُ الغَنَّاءُ… كَيْفَ تَصَحَّرَتْ؟
وَالبُلْبُلُ الصَّدَاحُ… أَيْنَ غِنَاهُ؟

وَالجَدْوَلُ الرَّقْرَاقُ… مَاذَا رَاعَهُ
حَتىَّ اسْتَطَارَ…؟ أَفَرَّتِ الَأمْوَاهُ؟

وَسَنَابِلُ الأَحْلامِ… تَهْتِفُ بِالحَصَـ
ـادِ… فَهَلْ يُبَشَّرُ مَنْ تُغَلُّ يَدَاهُ؟!

مِمَّا مَضَى… بَقِيَ الحَنِيْـنُ يَشُقُّ ثَـ
ـوْبَ الصَّبْرِ… حِيْـنَ تَعُوْدُنِي ذِكْرَاهُ

الصُّبْحُ لاحَ بِمَفْرِقِي… مِنْ بَعْدِ لَيْـ
ـلٍ حَالِمٍ… أَشْتَاقُهُ… أَهْوَاهُ

يَا لَيْلُ لا تَرْحَلْ فَدَيْتُكَ… قِفْ هُنَا
غَرَسَ الفُؤَادُ… عَلَى يَدَيْكَ مُنَاهُ

أَنَا آخِرُ البُؤَسَاءِ… أَحْمِلُ رَايَةً
مِنْ غُصَّةٍ… وَأَمَامِيَ الأَشْبَاهُ

دَرْبٌ مِنَ الَألَمِ الـمُمِضِّ… أَسُوْقُهُ
وَتَسُوْقُنِي… أَشْوَاكُهُ وَحَصَاهُ

زَوَّادَتِي أَمَلٌ… أَكَادُ أَرَى بِهِ
مَا لا يَرَاهُ… العَابِدُ الَأوَّاهُ

مَا لِي وَلِلمِرْآةِ؟ هَلْ يَرْنُو بِهَا
وَجْهٌ سَنَاهُ خَبَا… وَجَفَّ نَدَاهُ؟

العَيْشُ فِي الدُّنْيَا… فُصُوْلُ رِوَايَةٍ
فَصْلُ الخِتَامِ… أَشَدُّ مَا نَخْشَاهُ

نَادَيْتُ يَا اللهُ…! مِلْءَ جَوَانِحِي
لا… لَمْ يَخِبْ مَنْ قَالَ… يَا اللهُ!

بين الشامي و ابنة إبراهيم بن هرمة



قال رجل من أهل الشام : قدمنا المدينة فقصدت منزل إبراهيم بن هرمة ، فإذا بُنيّة تلعب بالطين ، فقلت لها : ماذا فعل أبوكِ ؟ قالت : وفد إلى بعض الأجواد فما لنا علم به منذ مدة.
فقلت : انحري لنا ناقة فإننا أضيافكِ.
قالت : ماعندنا ، قلت : فشاة . قالت : والله ماعندنا ، قلت : فبيضة. قالت : والله ماعندنا . قلت : فباطل ماقال أبوكِ :
كم ناقة قد وَجَأْتُ منحرها               بمستهل الشُّؤْبوبِ أو جملِ
قالت : فذاك الفعل من أبي هو الذي صيرنا إلى أنه ليس عندنا شيء.