المشــــــــــــاهدات

الأربعاء، أبريل 25، 2012

وحيـــــــــدان ( قصة قصيرة ) - سليمان الطويهر

تجوسين خلال البيت، بـمكنستكِ الكهربائية، تمررينها على القصاصات والفتات والغبار، لتجعل المكان نظيفاً، تحومين حولي وأنا أحمل كتاباً أخبئ فيه صورتك.. وأتصفح عينيكِ في هدوء. تمرين أمامي، وبلا التفات تقولين: “ممكن ترفع رجولك شوي..”.. فارفعهما على الطرف الآخر من الكنبة.. دون أن أتكلم..

أتابع عينيكِ، وأنتِ تكملين كنس القصاصات والفتات والغبار، وبقايا ذكريات.. صارت كالنجوم التي غيبتها شمسك..
تذهبين للركن الآخر من الغرفة، وعيناي لا تحيدان عنك، ورغم الضوضاء أعبئ ذاكرتي بملامحك الهادئة، الفاتنة.. أتأمل الفواصل بين الألوان المتخالفة، شعرك شديد السواد بخصلة شقراء وحيدة، مقابل وجهك شديد البياض، بحبة خالٍ سوداء وحيدة، اختارت طرف شفتك.. ينفلت شعرك على ظهرك كالشلال، فتتوقفين.. وتتأففين من غزارته حين يرهقكِ جمعه، تلفين حوله رباطاً.. وبلا اهتمام، تلقينه خلفك كذيل حصان يأخذني لآخر هذه الدنيا، ولا يعود بي….
..
..
.. ولا تكترث بي!
وأنا أتذرع بالكنس لأمُرَّ من أمامك، لأشم رائحتك! لأتمزق أمامك ألف قطعة، خلف كبرياءٍ مصطنع! يا رجلاً يمسك بكتابه مقلوباً، ليوهمني بأنه يقرأ، أشتاق لملامحك التي أحفظها عن ظهر قلب، ولا أستطيع الالتفات إليك، خشية أن أصطدم بشرودك!
أحبك حد الرغبة في قتلك!
وأنت لا تكترث بامرأةٍ تود لو تشعل كل رجال العالم، سجائراً لك.
وأنت لا تهتم بامرأة شذبها الألم، حتى رَضِيَتْ أن تكون خادمتك.. أيها الملك الصامت!
..
..
أتصفح عينيكِ وأنت تعودين أدراجك، تعيدين المكنسة إلى المستودع، وتلملمين كتبك الجامعية، وتضعينها بعيداً. تهمسين: “أجيب لك شي من المطبخ؟” أهز رأسي بالنفي.. فتذهبين..
أسمع أصوات الأواني، وكأنها تتعارك في قلبي.. لأن من يحركها هو أنتِ!. أهم بالنهوض لأفعل شيئاً، لأقول شيئاً، لكن الإحساس يسكرني، ويغريني بالانتظار. غيابكِ يصنع فارقاً في الحياة!
غيابك يلغيني..
أكاد أن..
أكاد..
وتأتين!!
..
..
شهقتكَ الكبرى، وافقت حضوري، وكأني قطعت عليك حلماً وردياً من أحلام يقظتك، مع من لا أعلم!
وأغفر لك..
وآتيك هلعاً نقياً لا تشوبه غيرة: “سلامة قلبك!! وش فيك؟”
فـ تبتسم وتمنعني من لمسك بإشارة! وكأنك تخشى أن أدنسك! وعرقكَ يجري أنهاراً على خديك، ولو كان لي من الأمر شئ، لما مسحته إلا بخدي!
وتبتعد..
تقوم متثاقلاً، وتدير لي ظهرك. وكأن من تبيع من أجلك الدنيا وما فيها.. لا قيمة لها عندك!
..
..
..وأخفي عنكِ وجهي!
لا أريدك أن تري رجلاً يبكي! أبكاه الشوق لمن بين يديه، ويخونه الكلام!
..
..
تغلق الباب خلفك، فأسقط فوق كرسيك.. وحيدة في غيابك!
كما كنت وحيدة..
في حضورك!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق