المشــــــــــــاهدات

الأربعاء، أبريل 18، 2012

من خطبة الحرب لمصطفى المنفلوطي


يا أبطال برقة، وليوث طرابلس، وحُماة الثغور، وذادة المعاقل والحصون، صبراً قليلاً في مجال الموت، فها هي نجمة النصر تلمع في آفاق السماء، فاستنيروا بنورها، واهتدوا بهديها حتى يفتح الله عليكم.

إن الله وعدكم النصر، ووعدتموه الصبر، فأنجزوا وعدكم ينجز لكم وعده، لا تحدّثوا أنفسكم بالفرار، فو الله إن فررتم لا تفرون إلا عن عِرض لا يجد لها حامياً، وشرف لا يجد له ذائداً، ودين يشكو إلى الله قوماً أضاعوه، وأنصاراً خذلوه.

إنكم لا تحاربون رجالاً أشدّاء، بل أشباحاً تتراءى في ظلال الأساطيل، وخيالات تلوذ بأكناف الأسوار والجدران، فاحملوا عليها حملة صادقة تطير بما بقي من ألبابها، فلا يجدون لبنادقهم كفّاً، ولا لأسيافهم ساعداً.

إنهم يطلبون الحياة وأنتم تطلبون الموت، ويطلبون القوت وتطلبون الشرف، ويطلبون غنيمة يملؤون بها فراغ بطونهم وتطلبون جنّة عرضها السموات والأرض، فلا تجزعوا من لقائهم، فالموت لا يكون مرَّ المذاق في أفواه المؤمنين.

إنكم تعتمدون على الله، وتثقون بعدله ورحمته، فتقدموا إلى الموت غير شاكين ولا مرتابين، فما كان الله ليخذلكم ويكلكم إلى أنفسكم وأنتم من القوم الصادقين.

إن هذه القطرات من الدماء التي تسيل من أجسامكم ستستحيل غداً إلى شهب حمراء تهوي فوق رؤوس أعدائكم فتحرقهم، وإن هذه الأنّات المتصاعدة من صدوركم ليست إلا أنفاس الدماء الصاعدة إلى إله السماء أن يأخذ لكم بحقكم ويعديكم على عدوكم، والله سميع عليم.

إن أعداءكم قتلوا أطفالكم، وبقروا بطون نسائكم، وأخذوا بلحى شيوخكم الأجلاء فساقوهم إلى حفائر الموت سوقاً، فماذا تنتظروا بأنفسكم؟

أجلبوا عليهم بخيلكم ورَجلكم واصدقوا حملتكم عليهم، وجعجعوا بهم، واقتلوهم حيث ثقفتموهم، واطلبوهم بكلّ سبيل، وفوق كل أرض، وتحت كلّ سماء، وأزعجوهم حتى عن طعامهم وشرابهم، ويقظتهم ومنامهم، فما أعذب الموت في سبيل تنغيص الظالمين!

لا تطلبوا المنزلة بين المنزلتين، ولا الواسطة بين الطرفين، ولا العيش الذي هو الموت أشبهُ منه بالحياة، بلِ اطلبوا إما الحياة أبداً، وإما الموت أبداً.

هناك تعليق واحد: