أولاً- شتى وأشتات
جمعان مشتقان من الشتِّ ، والشين والتاء- كما قال ابن فارس في معجم مقاييس
اللغة - أصلٌ يدلُّ على تفرُّق وتزيُّل ، من ذلك تشتيت الشيء المتفرّق .
تقول : شَتّ شَعْبُهم شَتَاتًا وشَتًّا . أي : تفرَّقَ جَمْعُهم . قال
الطرِمّاح :
شَتَّ شَعْبُ الحيِّ بعد التِئامْ *** وشَجَاكَ الرّبعُ رَبعُ المُقامْ
ويقال : جاء القوم أشتاتًا . وثَغْر شَتِيتٌ : مفلَّجٌ حَسَن . وهو من هذا
؛ كأنَّه يقال : إنَّ الأسنانَ ليست بمتراكبة . وشتّانَ ما هما ، يقولون
إنّه الأفصح ، وينشدون :
وشَتّانَ ما يومِي على كُورِها *** ويومُ حَيَّانَ أخِي جابرِ
ورّبما قالوا : شَتَّانَ ما بينهما ، والأوّل أفصح .
وقال الراغب الأصفهاني في مفردات غريب القرآن :« الشتُّ تفريق الشعب . يقال : شتَّ جمعهم شتًّا وشتاتًا . وجاءوا أشتاتًا . أي : متفرقي النظام » . وقال المفضل :« وقيل : الشتُّ : مصدر بمعنى : التفرق ، ثم يوصف به ويجمع » . وقال الزبيدي في تاج العروس :« الشَّعْبُ الشَّتِيتُ . أَي : المٌفَرِّقُ المُشَّتِّتُ . وعبارة الصِّحاح : المتفرّق » . وقال الأزهري في تهذيب اللغة :«
أحد الأشتاتِ : شَتٌّ . قاله ابن السكيت ، وقال : جاءوا أشتاتًا . أي :
متفرقين . قال : وحكى لنا أبو عمرو عن بعض الأعراب : الحمد لله الذي جمعنا
من شَتّ . وقال الليث : شَتَّ شعبهم شَتًّا وَشَتَاتًا . أي : تفرَّق
جمعهم » .
ثانيًا- ويتحصل مما تقدم : أن
الشتُّ في اللغة يعني : التفرُّق والاختلاف ، وهو في الأصل مصدر : شتَّ ،
وكذلك : شتات . ومن ذلك : الشتيت ، وهو المتفرق . يقال : شتَّ الأمرُ
شتًّا وشتاتًا ، فهو شتيت وشتٌّ ، وهما : شتيتان وشتَّان ، وهم شتَّى
وأشتات . فشتى جمع : شتيت ، وأشتات جمع : شتٍّ ، والفرق بين ( شتى ) ، و( أشتات ) من وجهين :
أحدهما : أن ( شتَّى ) جمع : شتيت ، وهو من جموع الكثرة ، وزنه : فَعْلَى ، وألفه للتأنيث ؛ كقتيل وقتلى ، ومَريضَ ومرضَى . وأما ( أشتات ) جمع : شتٍّ ، فهو من جموع القلة ، وزنه : أفعال ؛ كسيف وأسياف .
والثاني : أن ( شتَّى ) يدل على معنى الاختلاف المقابل للائتلاف . يقال : قلوبهم شتَّى مقابل : قلوبهم مؤتلفة ؛ ومثال ذلك قول أحدهم :
إلى الله أشكوا فتية شقت العصا *** هي اليوم شتى وهي أمس جميع
وعلى هذا ورد قوله تعالى :﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتّى ﴾ . أي : تحسبهم في صورتهم مجتمعين على الألفة والمحبة ، وحقيقة الأمر أن قلوبهم مختلفة ، وهم بخلاف من وصفهم الله بقوله :﴿ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾(الأنفال:63) . ويعبر به عن التنوع والاختلاف في الأحوال ؛ كقوله تعالى :﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾ (الليل:4) . أي : لمختلف ومتنوِّع . وقوله تعالى :﴿ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى ﴾(طه:53) . أي : أزواجًا متنوعة . وجوز أبو البقاء أن يكون ( شَتَّى )
صفة لنبات ؛ لأنه في الأصل مصدر يستوي فيه الواحد والجمع ، يعني : أن
النبات مختلف النفع والطعم واللون والرائحة والشكل ، بعضه يصلح للناس ،
وبعضه للبهائم .
وأما ( أشتات ) فيدل على معنى التفرق المقابل للتجمع ؛ ومثاله قول جميل بثينة :
وقد تلتقي الأشتات بعد تفرقٍ *** وقد تدرك الحاجات وهي بعيد
وقول أبي تمام مخاطبًا عبد الله بن طاهر :
أَيَّهذا العزيزُ قد مَسَّنَا الضُّرُّ *** جميعاً ، وَأهْلُناَ أشْتَاتُ
وعلى هذا ورد قوله تعالى :﴿ لََيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً ﴾(النور:61) . أي مجتمعين أو متفرقين . وقوله تعالى :﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا ﴾ (الزلزلة:6) . أي : متفرقين ، كل يذهب في جهة .
بقلم : محمد إسماعيل عتوك
شكرا علي هذه المعلومات النافعة
ردحذف