قول الله عز وجل :﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ ﴾ تكرر في سورة المائدة ثلاث مرات ، وختم في الأولى بقوله تعالى :﴿ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾(المائدة:44) ، وختم في الثانية بقوله تعالى :﴿ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾(المائدة:45) ، وختم في الثالثة بقوله تعالى :﴿ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾(المائدة:47) .
وفي الفرق بين ( الكافرين ، والظالمين ، والفاسقين ) قيل : كلها بمعنى واحد ، وهو ( الكفر )
عَبَّرَ عنه بألفاظ مختلفة لزيادة الفائدة واجتناب صورة التكرار . وقيل :
ومن لم يحكم بما أنزل الله إنكارًا له ، فهو كافر . ومن لم يحكم بالحق مع
اعتقاد الحق وحكم بضده ، فهو ظالم . ومن لم يحكم بالحق جهلاً وحكم بضده ،
فهو فاسق .
فـ( الكافر )
هو المنكر وجود الله تعالى والجاحد لنعمه ، خلافًا للمؤمن ؛ ولهذا قيل :
الكافر هو اسم لمن لا إيمان له ، ومعناه في اللغة : الساترُ للشئ .
ووُصِفَ الليل بالكافر لستره الأشخاص ، والزارع لستره البذر في الأرض .
ويقال : كفرت الشمس النجوم : سترتها . وكفر النعمة ، وكفرانها : سترها
بترك أداء شكرها . ويقال : كفر فلان ، إذا اعتقد الكفر . ويقال ذلك ، إذا
أظهر الكفر ، وإن لم يعتقده ؛ ولذلك قال تعالى :﴿ مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ﴾(النحل:106) .
و( الظالم )
هو الذي يزيل الحق عن جهته ويأخذ ما ليس له ، وهو من قولك : ظلمت السقاء ،
إذا شربته قبل أن يدرك . وظلمت الجزور ، إذا عقرته لغير ما علة .
وكل من وضع شيئًا في غير موضعه فقد ظلم . والظلم هو نقصان الحق ؛ ولهذا
قيل في نقيض الظلم : الإنصاف ، وهو إعطاء الحق على التمام . والظلم ثلاثة :
ظلم بين العبد وربه ، وأعظمه : الكفر والشرك والنفاق ؛ ولذلك قال :﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾(لقمان:13) . والثاني : ظلم بينه وبين الناس ، وإياه قصد تعالى بقوله :﴿ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾(الشورى:40) . والثالث : ظلم بينه وبين نفسه . وإياه قصد تعالى بقوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ﴾(فاطر:32) . وهذه الثلاثة في الحقيقة هي ظلم للنفس ؛ ولهذا قال تعالى :﴿ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾(البقرة:57) .
و( الفاسق ) هو الخارج عن طاعة ربه ، والجاحد حق الله تعالى ، ومنه يقال : فسقت الرطبة ، إذا خرجت من قشرها . يدل على ذلك قوله تعالى :﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾(الكهف:50) . أي : خرج عن طاعة ربه جل وعلا ، وجحد حقه عليه . وقال تعالى :﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ ﴾(السجدة:18) ، فقابل به المؤمن .
فالفاسق أعم من الكافر ، والظالم أعم من الفاسق . أما قوله تعالى :﴿ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾(النور:55) فعنى بالكافر : الساتر للحق ؛ فلذلك جعله فاسقًا ، ومعلوم أن الكفر المطلق هو أعم من الفسق .. والله تعالى أعلم !
بقلم : محمد إسماعيل عتوك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق