المشــــــــــــاهدات

الخميس، أبريل 19، 2012

الفرق بين القسم والحلف

أولاً- القسم أسلوب من أساليب الكلام ، الغرض منه تحقيقُ الخبر وتوكيده ، حتى جعلوا مثل قوله تعالى :﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾(المنافقون: 1) قسمًا ، وإن كان فيه إخبار بشهادة ؛ لأنه لما جاء توكيدًا للخبر ، سُمِّيَ قَسَمًا . ولا يكون القسم إلا باسم معظم ، وقد أقسم الله تعالى بنفسه المقدسة في القرآن في سبعة مواضع ، وفي الباقي كله أقسم سبحانه بمخلوقاته ؛ كقوله :﴿ وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ (الطارق:1) ، ونحوه . وعن بعض الأعراب أنه لما سمع قوله الله تعالى :﴿ وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ ﴾(الذاريات:22) ، صرَخ قائلاً :« من ذا الذي أغضب الجليل حتى ألجأه إلى اليمين ؟ لم يصدقوه بقوله ، فحَلَفَ ! » .
ويكون القَسَمُ والحلف بألفاظ ؛ منها : أقْسَمَ ، وحَلَفَ . يقال : أقسم بالله ، وحلف بالله . ولا يجوز للعبد أن بقسم ، أو يحلف بغير الله عز وجل ؛ كقوله تعالى :﴿ وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ﴾(الأنعام:109) ، وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (النساء:62) . ويُطْلََقُ على الأول لفظ ( القَسَم ) ، وعلى الثاني لفظ ( الحََلِِْف ) ، بكسر اللام وسكونها . أما ( اليمينُ ) فهو اسم لهما مُستعارٌ ؛ وذلك أنهم كانوا ، إذا تقاسموا على شيء ، تصافقوا بأيمانهم ، يقال : صَفَقْتُ الشَّيءَ بيدي ، إِذا ضربتَه بباطن يدكِ بقوّة . والصَّفْقَة : ضربُ اليد على اليدِ في البيعِ والبيعةِ ، وتلك عادة جارية للمتبايِعين  ، ثم كثُر ذلك حتى سُمِّيَ كلٌّ من القَسَم ِوالحَلِف : يمينًا . بقولون : أقسم يمينًا ، وحلف يمينًا . قال ابن عبدل :
فأقسم غير مستثنٍ يمينًا ... أبا بخرٍ لتتخمن ردي
وقال زهير بن أبي سُلْمَى :
يَمينًا لَنِعْمَ السَّيدَانِ وُجِدْتُمَا ... عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ سَحيْلٍ وَمُبْرَمِ
يريد : أقسم يمينًا بالله ؛ ومثله قولهم :« يمين الله أفعل » . أي : أقسم يمينًا بالله . ومن أقوالهم :« اليمين الغموس تدع الدِّيار بلاقع » ، وهي اليمين الكاذبة ؛ لأنها تغمس صاحبها في المآثم . جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم :« اليمينُ الكاذِبةُ مَنْفَقَةٌ للسِلْعة مَمْحَقةٌ للبَركة » . أي : هي مَظِنَّة لِنفاقِها ومَوْضِعٌ له . وقال عليه الصلاة والسلام:« من حلف يمينًا كاذبة يقتطع بها مال امرئ مسلمٍ ، لقي الله وهو عليه غضبان » ، وقال :« لا تحلفوا بأيمانكم ، ومن حلف بالله فليصدق ، ومن حلف له فليقبل » ، وقال :« من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها ، فليأت الذي هو خيرٌ ، وليكفر عن يمينه » .
ثانيًا- قال أبو هلال العسكري :« والفرق بين القسم والحلف : أن القَسَم أبلغُ من الحَلِف ؛ لأن معنى قولنا : أقسم بالله : أنه صار ذا قسم بالله . والقسم : النصيب . والمراد : أن الذي أقسم عليه من المال وغيره قد أحرزه ، ودفع عنه الخصمَ بالله . والحلف من قولك : سيفٌ حَليفٌ . أي : قاطع ، ماض . فإذا قلت : حلفَ بالله ؛ فكأنك قلت : قطع المخاصمة بالله . فالأول أبلغ ؛ لأنه يتضمن معنى الآخر ، مع دفع الخصم ، ففيه معنيان . وقولنا : حَلَفَ ، يفيد معنى واحدًا ، وهو قطْعَ المخاصمة فقط ؛ وذلك أن من أحرز الشيء باستحقاق في الظاهر ، فلا خصومة بينه ، وبين أحد فيه ، وليس كل من دفع الخصومة في الشيء فقد أحرزه ».
وقيل: أصلُ القَسَم من القَسامَة ، وهى أَيْمَانٌ  تُقْسَمُ على أولياء المقتول ، ثم صار اليمين اسمًا لكل قَسَمٍ . قال الله تعالى:﴿ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ﴾(الأعراف:49) . أي : أهؤلاء الذين أقسمتم أن اللَّه لا يعبأ بهم ، قيل لهم : ادخلوا الجنة . وقسمُهم عليهم لإظهار تصلّبهم في اعتقادهم ، وأنهم لا يخامرهم شك في ذلك ؛ كقوله تعالى :﴿ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً ﴾(المائدة:106) ،
وقيل : الحَلِفُ أصلُه : اليمينُ الذي يأخذ بعضهم من بعض بها العَهْدَ ، ثم عُبِّرَ به عن كل يمين . قال الله تعالى :﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ (القلم:10) . أي : كثير الحلف . وقال تعالى :﴿ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ ﴾(التوبة:74) ، وقال سبحانه :﴿ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ (التوبة:62) . وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه :« الحَلِفُ يُزْعِجُ السِّلْعَةَ ، ويَمْحَقُ البَرَكَةَ » . ويُزعِج السِّلْعَة . أي : يحطُّها . وقيل : يُنَفِّقُها ، ويخرجها من يد صاحبها ، ويُقْلِقُها .. والله تعالى أعلم !
بقلم : محمد إسماعيل عتوك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق