المشــــــــــــاهدات

الأربعاء، مايو 02، 2012

إغفـاءة في حضن اليأس - سليمان الطويهر

قالت : أعذرني يا هذا، فأنا لم أكرهك، ولن أكرهك، بيد أنه لم يعد لك مكان في هذا القلب الغارق في ظلمات اليأس . إني أراهُ وقد امتلأ حطاماً وركاماً أربأ بك أن تسكنه !.
قلت : وهل يزعجكِ أن يبقى حطامي ، بجانب حطامك ؟!.
قالت : أنتَ لم تنتـهِ بعد ، فيك بقيةٌ من إحساس، من شعور، من حياة . أما أنا، فعلى العكس تماماً .. إنني أموت .. وببطء !
قلت : لتعلمي إذن، أنكِ أنتِ التي أحيت الإحساس فيني، وأوقدت جذوة الشعور داخلي. أنتِ التي غيرت لي طعم الحياة، فأصبحت الحياة تتقلب بين الحلاوة والمرارة !
كمزاجك الذي أهواه. فكيف الآن تمنحيني تأشيرة الرحيل؟
قالت :كان زماناً وانقضى. أخفيتُ فيهِ عنكِ حبي،. كنت أخشى أن أظلمك معي، فالحب لمن هي مثلي، يجيء ويذهب.. كأن لم يكن ..!
قلت : وكان في الإخفاءِ إبداءُ. كانت نظرةً دائخة، وبسمةً باذخة. كُتـِبْتُ بعدهما في كتاب العشاق ، بطلاً من نور. وليس بيني وبين الخلود ، يا فاتنة الوجود، إلا أن أموت.. فاجعليني أموتُ معكِ، كما أموتُ بكِ !
قالت : أرجوك يا سيدي.. أتوسل إليك.. لا تفسح مكاناً أوسع للحزن، فأنا مزحومة بهمومي، بأكداري، وأقداري..
و أكادُ أتمزق..
قلت : لم يكن الحب داءً يا حبيبتي، كما أنه ليس دواءً. الحب يـُسْكرُ الإنسان عن همومه، عن أحزانه، يجبره على التراجع قليلاً.. كي تكون وثبته للأمام أقوى.. وأعلى..
قالت : وهل قلبٌ ميتٌ يعشق ؟!
قلت : وهل حزنٌ يسكن القلوب الميتة ؟! قلبكِ ياسيدتي وردةٌ لا تذبـُل، وعازفٌ لا يفتـُر، وطفلٌ لا يشيخ ..
قلبكِ لو لم يكن لكِ يا جميلتي، لتوزع على ألف أمٍ.. وألف طفل !
قالت : لماذا يـتـزاحم الهم والحزن والضيق فيه ؟! ألا يجدون غيره ؟!
قلت : الوردة المنشقة عن الحديقة، الثائرة على طبيعتها، المغلقـة عن النحل بابها .. لا تلوم الذباب لو زارها !
وإن كانت الحياة لم تـُخلق للسعادة، للفرح، إلا أننا نستطيع الإمساك بلحظات سعادةٍ مع من نحب. نروي بها عطشنا، ونسد بها رمقنا، ونستظل بأفيائها من حزن الأيام اللاهب.
قالت : ومن أين سآتي بالفرح ؟! وكل ما حولي يستنهظ الإحباط ، ويستدعي اليأس ؟!
قلت : ليس في الحياة ياحياتي حزنٌ مطلق، ولا فرحٌ مطلق. هي أمور نسبية، تـُرجِّحُ أحدَها على الآخر ، نظرتـُنا للحياة..
نظرتـُك المتشائمة يا حبيبتي، رأت سوادَ الحزن، وتعامت عن بياضِ الفـرح !
قالت : ولو تفائلت.. هل سيخبو الحزن من ذاتي، وتنطلق أغنيات الفرح ؟!
قلت : لن يذهب شيء، ولن يجيء شي. سيبقى كلٌ على ما هو عليه.. لكنكِ ستلتفتين للفرح.. لتجديـه هاشاً باشاً، وكأنه ينتظركِ من أعوام، وسيأخذ بيديكِ، إلى حيث لا تحزنين!
قالت : والحب .. ما شأنه فيما تذكر ؟!
قلت : الحب ، يا منحة الرب ، هو ملطفُ الحياة، وأكسيرُ الفرح. الحبُ منجم الأحلام، وأنتِ لستِ بحاجة إلى شئ أكثر من الحلم .. أياً كان هذا الحلم.
قالت : ويبقى الحلم حلماً …
قلت : الحلم .. أمل .. وأمنية .. وحاجة ! الحلم حياة لو كنتِ لا تعلمين .. والحياة لا تصفوا لمن نال كل شئ.. إلا إن كان لديه حلماً. وأجمل ما في الأحلام أنها لا تتحقق..
قالت : ياللتناقض!. وكيف يكون ذلك ؟
قلت : جمالُ الحلم، يا أحلى حلم، يكمن في تَسـرُّبِ ساعات القلق انتظاراً لذلك الجميل، الذي يشفينا في البـُعد.. وغالباً لا يأتي.
أنتِ لا تعلمين لِـمَ يموت البسطاء ، وأقل من دراهمهم.. همهم..
ولم يعيش الأغنياء.. وهمهم .. أكبـر من دراهمهم!
اغرسي بذرة الحلم في ذاتك من الآن، واسقيها من تفاؤلك، و “دعي الشمس تشرق في قلبك”.
أنتِ تبحثين عن الفرح في الخارج، ولا تعلمين بأنه مقيدٌ في داخلك.. يستجديكِ .. ويستغيثُ بك.. ويلّوح لكِ..
وأنتِ لا تلتفتين إليه!
قالت : لو كان في داخلي كما تزعم.. لما ضللتُ طريقه!
قلت : الفراشات لا ترى في الظلام.. وقلبكِ كما تذكرين غارق في ظلمته..
قالت : وكيف أضيء قلبي ؟؟
قلت : أطلي عليه بوجهك. فوجهك النور الذي أفزع ظلمات الكآبة في قلبي. وسترين كم من الورود سترقص بك إحتفالاً، وكم من الأطيار ستشدو بكِ إحتفاءً.
فقط ابتسمي لذاتك .. وسترين ..
أتبخلين على نفسكِ بما تملكين ؟!
سكتت طويلاً.. طويلاً..
ثم تنهدت..
وفي يأسٍ..
قالت : لا فائدة .. لا فائدة ..
وسكتُ .. لا أدري ما أقول ..
ومضيت ..
محدثاً أطلالها في قلبي :
حقاً .. لا فائدة !
وكان الفراق ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق