المشــــــــــــاهدات

السبت، مايو 19، 2012

من كتاب: تاريخ نجد الحديث - أمين الريحاني

في وادي حنيفة ظهر مسيلمة الذي حارب النبيّ والإسلام فكان مدحوراً، قتله خالدُ بن الوليد في وقعة الروضة. وفي وادي حنيفة ، بعد ألف ومئة سنة، ظهر محمد بن عبد الوهاب الذي كافح البدع والخرافات فكان من الفائزين. قبل ظهور هذا المصلح النجدي كان العرب في نجد، بل في الشطر الشرقيّ من شبه الجزيرة، منغمسين في عقائد وعبادات جاءتهم من النجف ومن الأهواز، أو بالحري من بلاد فارس. فكان لا يزالُ لإباحات القرامطة أثر في الإحساء، وكانت للقبور شفاعة لا شفاعة فوقها، فحلها الناس المحل الأعلى في العبادة والتوسل. والحق يقال أن هذه البدع أو هذه الخرافات القديمة، أبعدت العرب بادية وحاضرة عن حقيقة الدين الكبرى وجوهرة الأزليّ الحيّ.
أبعدتهم عن الإسلام الذي جاء يبطل عبادة الأوثانِ وكلّ ما فيه رائحة العبودية لغير الله. فعادوا إلى ما كان فيه أجدادهم وأمعنوا أكثر منهم في الخزعبلات والأضاليل، فلم يتوسلوا فقط إلى قبور الأولياء بل تعددت القباب فوق القبور، فصارت الشفاعة الكبرى للأحجار. بل كانوا يعبدون حتى الأشجار، فيعلقون على أغصانها الرقاع ويقدمون لها النذور. ومن هذه الأشجارُ شجرة في نجد، خصوصا في كهوف جبل ملويق ووادي حنينة، ما كانت تفوق سواها شهرة، وتمتاز اسماً وفعلاً، في نظر عبادها الذين كانوا يجيشونها من أقصى نواحي الجزيرة مشركين متوسلين.
قلت أن هذه العبادات أبعدت العرب عن الإسلام، بل أنستهم حقائقه وأركانه، فقل من كانوا يقرأون القرآن ويفهمون. قال المؤرخ النجديّ: " أهمل الناس الصلاة والزكاة والحج وكانوا لا يعرفون حتى مركز الكعبة!". وبكلمة أوضح عادوا إلى الوثنية، فجاء ابن عبد الوهاب يعيدهم إلى الإسلام. فكان منذ نشأته إلى يوم وفاته يدعو للرجوع إلى الكاتب والسنة، وقد انتشرت دعوته في نصف قرن بين الحاضرة والبادية، وعمت في عهد سعود الكبير البلاد العربية جمعاء.
نعم قد كان في نجد علماء يتعبون الإمام أحمد بن حنبل في المذهب والأحكام، ولكم علمهم لم يخل مما يشوب طريقه بين المجتهدين والمتصوفين، فكانوا من هذا القبيل يشبهون علماء الكنيسةِ المسيحية في القرون الوسطى.
ومن كبار أولئك العلماء النجديين جد صاحب الترجمة محمد بن سليمان بن علي التميمي. قد كان الشيخ محمد رجلاً فاضلا كريماً. تولى منصب الفتوى في نجد، ودري علمي التفسير والحديث ، وكان لحبه للعلم ينفق على الطلبة من ماله الخاص، ناهيك بأن بيته كان على الدوام مفتوحاً للفقراء والمظلومين اللاجئين إلى بره وإحسانه. .. ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق