المشــــــــــــاهدات

الثلاثاء، مايو 22، 2012

تحليل أدبي لقصيدة [النهر المسترخي] .

                         بقلم : أ.د. سعد بن ناصر الرشيد .
قال هذه القصيدة يعارضُ قصيدة أبي البقاء الرُّندي في رثاء الأندلس، وسمى قصيدته هذه (النهر المسترخي) وهو برَدى، وكأنه يرثي دمشق ! وقد قام الأستاذ/ نافع العنـزي مشكوراً بالتحليل الأدبي لهذه القصيدة فإلى القصيدة أولاً، ثم التحليل ثانياً :

<><> <><>
أرى دمشقَ حِداداً لفّ سدّتـَهُ
وهذه المرجةُ الحسناءُ شاحبةٌ
النهر يجري بها مسترخياً هرماً
هل شِختَ يا (بَرَدى) في عنفوان صبا
أم أنّ وقذَ هوىً أضنى بحدّتِهِ
أم أنّ دعوةَ سِلمٍ بات يطلقُها
أتتك فوق جناح الليلِ نغمتُها
أما فتئتَ تعيشُ الحزنَ مكتئباً
حتى ضويتَ هزالاً ما تحركنا
إن كان ضعفُك من مجرى برِرتَ بهِ
فابحث لدفقِك عن مجرى يليقُ بهِ
واصرفه عن قنواتٍ ماؤها أسِنٌ
متى أراك فإن القلبَ مضطرمٌ
لتجرفَ الشوكَ عن دربِ الأُلى عزموا
وتغسلَ الأرضَ من أوصابِها أبداً
فالويلُ مستعرٌ والظلمُ منتشرٌ
تـبًّا لمبدأِ أحزابٍ تفرقنا
يوماً سنكشفُ عن بُطلانِ زخرفِها
حتى تكونَ بلادُ اللهِ واحدةً


على عيوني فهذا الزهرُ صُوّانُ
(ميسونُ) غائبةٌ عنها و(حسّانُ)
هل صار بينهما صدٌّ وهجرانُ؟
أم أثقلتْك انتكاساتٌ وأحزانُ
ينبوعُ كِبْرِك إن الحبَّ سلطانُ
دعاةُ سِلْمٍ غووا، والسلمُ خذلانُ
فشلّ سطوَك مأجورٌ وعدوانُ
قد قدّموكَ كأنّ الأرضَ قربانُ
خريرُ مائك منهوكٌ ووسنانُ
وما يحُفُّ به حُورٌ ولا بانُ
ولو تولّد فيك اليومَ عصيانُ
فآسنُ الماءِ لا يهواهُ إنسانُ
وأنتَ من غضبٍ يعلوك طوفان؟
فالشوكُ في دربِهم للمجدِ ألوانُ
حتى تطيبَ؛ فإن الأرضَ أدرانُ
والعيشُ فيها حزازاتٌ وأضغانُ
وإننا في رباطِ الله إخوانُ
قد آنَ أن يجمعَ الأقوامَ قرآنُ
ثهلانُ قيسونُ ، أو قيسونُ ثهلانُ
التحليل الأدبي:تتميز هذه القصيدة بأمور:
1ـ جودة أسلوبِها، وسهولة ألفاظِها، وقرب معانيها .
2ـ وكذلك نجدُ أنها تتميزُ بما يسمى عند النقاد: (بيتَ القصيد) أي: تجدُ أنك تصلُ إلى الفكرةِ الموجودةِ في النص بالتدرج، فالشاعرُ يتمنى أن يزولَ الظلمُ، وتزولَ الأضغان والتعصبات والأحزاب، ويبطل زخرفها ويجتمع الناسُ حول القرآن العظيم متحابين وبذلك نصلُ إلى الهدفِ وهو: أن تكونَ بلادُ الله واحدة، لا فرقَ بين عربيٍّ وأعجمي، فكلاهما واحدٌ، ونلحظُ: أن المعنى يحويهِ البيتُ الأخيرُ فقط، ولم نصلْ له إلا بعد التدرج، وهذا يدلُّ على براعةِ الشاعر .
3ـ كذلك نلحظُ أن الشاعرَ قد اجادَ في استعمالِ الصورِ البيانيّة وإن لم يكن فيها ابتكار، ومن هذه الصور: (النهر يجري)، (مسترخياً)، (هرِماً)، (شخت يا بردى)، (ينبوعُ كبرك)، (الحب سلطان)، (ضويتَ هزالاً) ...
ونلحظُ أن الشاعرَ قام بتوظيفِ الصورِ البيانيّة في جميعِ أبيات القصيدة؛ مما يزيد من قوةِ تأثيرها في المتلقي .
4ـ وكذلك يتضحُ جليًّا في القصيدة (عنصر الرمز) الذي لا يُجيدُ استعمالَه إلا قليلٌ من الشعراء، وذلك في قوله: (النهر المسترخي)، (شيخوخته)، (دمشق)، (ميسون)، (حسان) .
5ـ ومن المميزات الواضحة في القصيدة: (فن التجسيم) فقد جعلَ من النهر شخصاً يتكلم وهو يحاوره ويناقشه، وهذا يزيد من عنصر التشويق في النثر، فكيف وهو في الشعر؟! .
6ـ وكذلك نلحظُ أن هذا الحوارَ يقوم على السؤال وانتظار الإجابة كما في قوله: (هل صار بينهما...؟)، (هل شخت يا بردى؟)، (أم أثقلتك ...؟)، (أما فتِئت؟)، (متى أراك؟) .
وكل هذا يزيد من قوةِ التأثير في المخاطَب .
وختاماً أقول: القصيدة رائعة، وتستحق الدراسة والاهتمام .
الأستاذ/ نافع العنـزي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق