المشــــــــــــاهدات

الأحد، مايو 06، 2012

الطفــــــل الهـــــارب - عبدالرحمن العشماوي


وقفْتُ على رصيف الأُمْنِيَاتِ - - أُفَتِّشُ عن شوارد ذكرياتي
أُفَتّشُ عن ملامح وجه طفلٍ - - بريء ، ذاتُه مُزِجَتْ بذاتي
لقد عشنا سويّاً في صبانا - - فليس صفاتُه إلاّ صفاتي
وليس حنينُه إلاّ حنيني - - ولا لَفَتَاتُه إلاّ الْتفاتي
وليس بكاؤه إلاّ بُكائي - - وليس شكَاتُه إلاّ شَكَاتي
ونَبْضُ فؤاده هوَ نَبْضُ قَلْبي - - وأُمْنِيَّاتُه هيَ أُمْنِيَاتي
لَعِبْنا بالتُّراب وكان عِطْراً - - تُعَطِّرُنا به كفُّ الحياةِ
وسابَقْنا انْبِثَاقَ الفجر نغدو - - إلى المرعى بزاد الرَّاعيات
لقد كان الصَّغيرُ رفيقَ درْبي - - يُقاسِمُني ثباتي وانْفِلاتي
فكم سرنا إلى الوادي سَويّاً - - سواءُ في الرَّوَاح أَم الغَدَاةِ
شربْنا الماءَ من نَبْع نَقيّ - - تَفَجّر من صخور مُحْكَمَات
شَبِعْنا من جنَى عِنَب وتِيْن - - ومِن أشجار لَوْز مُثْمِراتِ
سَمِعْنَا كلَّ يوم صوتَ جَدّي - - يُنادي بالأذان إلى الصّلاة
وأتْقَنّا السِّباحةَ في غدير - - تَكَوَّنَ من هُطول السَّابِحاتِ
فما بالُ الصّغير يفرُّ منّي - - فِرارَ الأتقياء من العُصَاةِ
أُفَتِّشُ عنه في الوادي فألْقى - - نَسَائمَ روحه بينَ النَّباتِ
وأَلْقى منه عِطْراً في الرَّوابي - - تَخَبَّأَ في الزّهور النّاضرات
أُفَتِّشُ عنه في جبَل وسَهْل - - وأعشاش الطيور الصَّادحات
وفي البيت القديم وقد تَهاوى - - على وَقْع السّنين الماضيات
فما ألْقى سوى أَثَر حزين - - وَفَيض من عيون باكياتِ
تَدَفَّقَ سيلُ أسْئلَتي ،فمن لي - - بأَجْوِبة لقلبي شافياتِ
هُنا ، وقَفَ الزَّمانُ ، وقال : مَهْلاً - - لقد رحلَ الصّغيرُ رَحيلَ آتِ
مضى وَأَتَيْتَ أَنْتَ ،فأنت طفلٌ - - ؟لأنّ الطفلَ أنتَ على الثباتِ
نعم فالطّفْلُ أصْبَحَ فيكَ شَيْخاً - - وعندك منه أقوى البيِّنات
أغرَّكَ أنَّ شَيْبَك قد تَراءى - - كَواكبَ في الليالي المظلمات
لقد كبِرَ الصَّغيرُ ولم يُبارِحْ - - مَرَابِعَ حُبِّه المُتَألِّقات
فقلْبُكَ قَلْبُه حُبَّاً وشَوْقاً - - وَإحساساً بهمِّ الكائنات
وما الإنْسانُ إلاّ روحُ طِفْل - - تَدَرَّجَ في الحياة إلى الممات
وشَرُّ النّاس مَنْ يَغْتالُ طفلاً - - بريئاً بالخطايا المُوْبِقَاتِ
وخَيْرُ النّاس مَنْ يَبْقى كطفل - - بَريء القلب مَيْمُونَ السِّمات
فَعِشْ بالطّفْل فيكَ كما عَهِدْنا - - وجَدِّدْ روحَه بالمَكْرُمات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق