المشــــــــــــاهدات

الاثنين، مايو 07، 2012

يا رياح الخريف هبي - أحمد حسن الزيات

صادفت خلاء فشغلته ، وخللاً فسدته ، وعبثاً فحاولت أن تصد عنه بإيقاظ النخوة في الرؤوس ، والكرامة في النفوس ، والرجولة في النشء .
ثم حركت في الملكات الموهوبة ساكن الشوق لإلى الإنتاج فأبدعت ، وأهابت بالقوى الأدبية المتفرقة فتجمعت . ثم سفرت بين الأدباء في كل قطر من أقطار العروبة ، فعرفت بعضاً من بعض ، وأطلعت كلاً على عمل كل . ثم قادت كتائب الفكر والبيان في ميادين الإصلاح الأدبي والاجتماعي ...
ولو كانت الرسالة اليوم بسبيل أن تكشف عن قلبها ، وأن تحدث عن نعمة ربها ، لذكرت فيما تذكر بلاءها العظيم في إنهاض الأدب ، وتوحيد العرب ، وتخريج طبقة من الأدباء ، وتثقيف أمة القراء ، بل مجاهدتها السلطان الباغي ، والفقر المهلك ..
هبي يا رياح الخريف .. هبي .. هبي واقلعي ذلك النبات الدنيء الذي يتطفل على أشجار الوادي فيتغذى على أصولها ، ويتسلق على فروعها ، حتى إذا أدرك الهواء والضياء والرفعة ، التف بعساليجه وكلاليبه على أعاليها التفاف الأفعوان ، فيكظم أنفاسها فلا تنسم ، ويشل حركتها فلا تميس ، ثم يقول مشيراً بأطرافه الرخوة إلى كل عابر ، انظر ألست أنا الأمير وهذا الشجر هو الفلاح ؟ وإذا لم يسخر الله لي الشجر فكيف أنمو ؟ وإذا لم يسخر الفلاح للأمير فكيف يسمو ؟
هبي يارياح الخريف هبي .. هبي واقشعي هذا السحاب المتراكم الذي ارتفع ارتفاع الدخان وانتفش انتفاش العهن ، فحجب الشمس ، وحصر الأفق ، وأحر الأرض ، ثم لا نجد من ورائه مطراً يدفع الجدب ، ولا ظلاً يمنع الحرور ..
-------------
المصدر : من مقال يارياح الخريف هبي / وحي الرسالة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق