المشــــــــــــاهدات

الأحد، أبريل 01، 2012

تَرْجَمَةٌ لأديبٍ أندلُسِي


صاعد بن الحسن بن عيسى الربعي، الموصلي الأصل اللغوي الأديب أبو العلاء، أخذ عن السيرافي وأبي علي الفارسي والخطابي وغيرهم، وكان عارفاً باللغة وفنون الأدب والأخبار، سريع الجواب حسن الشعر طيب المعاشرة ممتع المجالسة، دخل الأندلس واتصل بالمنصور بن أبي عامر فأكرمه وأفرط في الإحسان إليه والإقبال عليه، ثم استوزره وألف للمنصور كتباً منها: كتاب سماه الفصوص على نحو كتاب النوادر لأبي عليٍ القالي.

واتفق لهذا الكتاب حادثة غريبة وهي: أن أبا العلاء لما أتمه دفعه لغلامٍ له يحمله بين يديه وعبر نهر قرطبة فزلت قدم الغلام فسقط في النهر هو والكتاب، فقال في ذلك ابن العريف وكان بينه وبين أبي العلاء شحناء ومناظراتك:
قد غاص في البحر كتاب الفصوص ... وهكذا كل ثقيلٍ يغوصْ
فضحك المنصور والحاضرون فلم يرع ذلك صاعداً وقال على البديهة مجيباً لابن العريف:
عاد إلى معدنه إنما ... توجد في قعر البحار الفصوصْ !
وصنف له أيضاً كتاب الجواس بن قعطل المذحجي مع ابنة عمه عفراء، وهو كتاب لطيف ممتع جداً، انخرم في الفتن التي كانت بالأندلس فسقطت منه أوراق لم توجد بعد، وكان المنصور كثير الشغف بهذا الكتاب حتى رتب له من يقرؤه بحضرته كل ليلةٍ، وصنف له أيضاً كتاب الهجفجف بن غيدفان بن يثربيٍ مع الخنوت بنت محرمة بن أنيفٍ وهو على طراز كتاب أبي السري سهل ابن أبي غالب الخزرجى، ولم يحضر صاعد بعد موت المنصور مجلس أحدٍ ممن ولي الأمر بعده، وإلى ذلك يشير في قصيدته التي قالها للمظفر بن المنصور الذي ولي بعد أبيه وأولها:
إليك حدت ناجية الركاب ... محملةً أماني كالهضابِ
وبعث ملوك أهل الشرق طرا ... بواحدها وسيدها اللبابِ
ومنها يشير إلى مرض لحق بساقه فمنعه من حضور جالسه، وهو وجع ادعاه فقال:
إلى الله الشكية من شكاةٍ ... رمت ساقي فجل بها مصابي
وأقصتني عن الملك المرجى ... وكنت أرم حالي باقترابي
ومنها:
حسبت المنعمين على البرايا ... فألفيت اسمه صدر الحسابِ
وما قدمتهُ إلا كأنّي ... أقدم تالياً أم الكتابِ
وأنشد هذه القصيدة بين يدي المظفر في عيد الفطر سنة ستٍ وتسعين وثلاثمائة، ولصاعدٍ مع المنصور أخبار ولطائف يطول ذكرها، توفي بصقلية سنة سبع عشرة وأربعمائةٍ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق